بالصلاة قبل ذلك فلم يخرج ونحن نروي أنه قال إني مشغول بنفسي ليصل بالناس بعضهم وأنتم تروون أنه قال مروا فلانا فليصل بالناس. ما الذي دعاه إلى الخروج في هذه الحالة بعد ما أؤذن فلم يخرج وبعد ما أمر الخليفة بالصلاة بالناس ، أهو قصد تأييد الخليفة أم توهين أمره فإن كان الأول فخروجه قد أتى بضد المطلوب لأنه قد جعل مجالا للظن بأنه إنما خرج ليبطل ما قد يسبق إلى الأذهان من أن التقدم إلى الصلاة كان عن أمره. فلو لم يخرج لكان أبلغ في التأييد فيكون فعله ناقضا لغرضه وحاشاه من ذلك. ثم ان رفع الستار وهذا الفرح العظيم الذي حصل له لا بد أن يكون قبل خروجه إذ بعد خروجه تمت الصلاة ولا محل لرفع الستار وإذا كان قد حصل مراده ومتمناه وما أوجب حصول أجل فرح له فما سبب هذا الخروج وما المقصود منه ، والحق أن أعظم كرب حصل للنبي (ص) في آخر ساعة من حياته حين أمرهم باحضار الدواة والكتف ليكتب لهم كتابا لن يضلوا بعده أبدا فلم يفعلوا ولست أدري كيف يكون الأمر بالصلاة لو صح دليلا على الإمامة في الدين والدنيا عند من يجوز الصلاة خلف البر والفاجر.
(نسبته سوء الأدب الى موسى والحسد إلى يونس (ع) وحاشاهما)
قال صفحة (جم) : عبرة بعبرة. العجب أن اليهود كانت تأتي بكل أمر منكر.
وذكر مذام كثيرة لليهود وقال أنها عبدت العجل وموسى وهارون ويوشع بن نون في قيد الحياة. ومع ذلك كانت اليهود تقدس أمة اليهود وتحترمها حتى أن أنبياء اليهود كانوا يلومون الله ويغاضبونه إذا بدا لهم من الله تقصير في أمر اليهود وقد حكى الله في القرآن شيئا من ذلك في موسى إذ يقول (فَلَمَّا أَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ قالَ رَبِّ لَوْ شِئْتَ أَهْلَكْتَهُمْ مِنْ قَبْلُ وَإِيَّايَ أَتُهْلِكُنا بِما فَعَلَ السُّفَهاءُ مِنَّا إِنْ هِيَ إِلَّا فِتْنَتُكَ تُضِلُّ بِها مَنْ تَشاءُ وَتَهْدِي مَنْ تَشاءُ). وهذا لوم بليغ عذر الله نجيه فيه لأنه صدر عن حب وفرط من شفقة للسبعين وحبه لأمته وصدق احترامه لليهود في كل أمورها وقد حكى الله أعظم من ذلك في يونس (وَذَا النُّونِ إِذْ ذَهَبَ مُغاضِباً فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ) وعذره الله في ذلك حيث لم يكن غضبه إلا لأجل أن يختص الله بهدايته اليهود والحسد وان كان أكبر كبيره عفاه الله عن ذي النون لأنه تمنى به امتياز اليهود بين الأمم بفضل الله وهدايته.