يبق بيدنا شيء نفعله إلا الاختصاء كما يقول المتضجر ما ذا افعل أأقتل نفسي؟ فلا اضطرار هنا الى احد الأمرين يبيح الأخف ضررا منهما كانقاذ الاجنبية من الغرق المستلزم مس بدنها كما هو واضح.
(ثالثا) زعمه ان ابن مسعود وغيره لم يغيب عن أهله غيبة طويلة في عهد الرسالة تضطره للاختصاء هو رد للآثار الثابتة بالاستبعادات والتأويلات الخارجة عن مداليل الألفاظ ولو جاز التعويل عليها لم يسلم لنا حديث فكل يؤل على مشتهاه ان الاختصاء لم ترد حقيقته كما عرفت وهل كان مع الصحابة فعرف سرهم وعلانيتهم وظاهر احوالهم وباطنها على ان عوامل الطبيعة في مثل ذلك كما تكون مع الغيبة الطويلة تكون مع القصيرة امثال الشهر والشهرين والأقل وطبائع الأشخاص في ذلك مختلفة مع ان هذه الدعوى لو صحت لأبطلت عذره المتقدم من ان جواب النبي كان على اسلوب حكيم «الخ» ، كما لا يخفى.
(رابعا) احكام الشريعة كانت تنزل تدريجا فيجوز ان يكون حلية المتعة شرعت يومئذ وبذلك يبطل زعمه ان قوله ألا نختصي يدل على ان حرمة التمتع كانت معلومة على انه قد قال فيما مر : كانت في عهد الرسالة تثبت سنة وتخفي على جماعة من الصحابة كثيرة وان ابن عباس قد خفي عليه سنن في ابواب الربا والصرف مع ما قيل عنه ان عنده ثلثي علم رسول الله (ص) فلابن مسعود اسوة به فصح على مقتضى قوله ان يكون التمتع مشروعا وخفي عن جماعة كثيرة من الصحابة ولا ينافي ذلك ما وصف به ابن مسعود من صفات التعظيم.
(خامسا) ان صح ان اطول الغزوات كانت بعد نزول آية وليستعفف لم يمنع ذلك ان يشكو ابن مسعود الى الرسول (ص) مشقة العزوبة ويقول ألا نختصي والأمر الطبيعي لا يتنافي مع القيام بأدب الدين واطاعة أوامر الكتاب ولا يرتبط بذلك ويمكن حصوله في المدة الطويلة والقصيرة ولا يرفعه الأدب ولا الخروج للجهاد في سبيل الله بل هو امر قهري من لوازم الطبيعة يحصل للمجاهدين والقاعدين والمتأدبين والقليلي الأدب والمطيعين لأوامر الكتاب والعاصين لها. فقول ابن مسعود أو غيره للرسول (ص) ألا نختصي ليس عصيانا لقوله تعالى : (وَلْيَسْتَعْفِفِ) ولا خروجا عن أدب الدين بل هو شكاية الى الرسول (ص) كما يدل عليه ما في رواية اخرى : شكونا الى رسول الله العزبة ومن عادة الاتباع ان يشكوا الى متبوعهم كل ما ينوبهم