طلوع الشمس ، وطاف بالبيت أسبوعا (١) على جاري عادته ، أتاه رسول الشريف بركات مستدعيه ، فخرج من الحرم إلى دار الشريف قبل أن يصل بيته فدخل وأراد النهوض ، فرمى إليه الشريف بالورقة ، وقال : كنا نسمع ولم نصدق حتى شاهدنا خطك فيقال : أنه أنكر أن يكون ذلك خطه ، وأراد أن يقطعها فأجتذبها الشريف منه ، ولطمه الشريف قايتباي لطمة فاحشة حتى أسقط عمامته من رأسه ، وأراد هسفه (٢) وضربه فمنعه الشريف بركات من ذلك ، ثم أمر به فنقل إلى مجلس آخر وجعل عليه الرّسم ، وأرسل في الحال من أحتاط على بيوته فأخرج أولاد القاضي وحرمه من البيت مجّردين ليس معهم سوى ثياب أبدانهم وسمّروا على بيوت القاضي وأملاكه وحواصله جميعها ، ثم جمع الفقهاء وأعيان البلاد وأوقفهم على الورقة فقرروا إنها خط القاضي ، فكتب محضرا بما اتفق من القاضي ، وأخذ عليه خطوط الحاضرين من القضاة والفقهاء والأعيان ثم أخذ في مصادرة القاضي وتعذيبه ورسم على كبار عياله كالقاضي صلاح الدين وغيره ، ثم سعي بين الشريف والقاضي على أن يبذل القاضي مبلغا جزيلا من المال ، وعلى أن يخرج ولده صلاح الدين يبيع أملاكه وكتبه ، ويحصل المبلغ المشروط ، فأطلق القاضي صلاح الدين ، فباع كتب والده وملابسه وذخائره ومصاغه وآلالاته حتى سلّم المبلغ ، وبعد ذلك أرسل الشريف بالقاضي إلى جده ثم من جدة إلى جزيرة القنفذة ، ثم أتبعه بعياله إلى الجزيرة ، فتم بها فلما قرب المركب المصري من وصول مكة ، وعلم الشريف أنهم ساعين في خلاص القاضي ، أرسل بريدا إلى حاكم القنفذة بأنه يغرق القاضي حال أن يصله الكتاب فأركبه في سنبوق ويوهمه (٣) أنه سيردّه إلى جدة ، فلما توسط به في البحر غرقه فيه ، وذلك من أوائل شهر الحجة في السّنة
__________________
(١) كذا لعل صوابه سبعا.
(٢) الهسف : التعنيف الشديد وهي من كلام أهل اليمن في ذلك الوقت ولا تزال إلى الآن.
(٣) قلائد النحر : وموهما لأنه سائر به.