السّنة التي قبلها ، خيّل للقاضي إن أيام بركات انقضت واندرست ، وقد إلتجأ إلى الجازاني كما سبق ، فخفره من هزاع وحماه منه ، فلما أمن من غائلة هزاع أرسل الشريف بركات إلى القاضي يريد منه المساعدة فاعتذر عليه القاضي ، فوقع في نفس الشريف بركات منه ، فلما توفي هزاع شمر القاضي أبو السعود همته في تولية الجازاني على مكة وأعمالها وكتب بذلك إلى المصريين ، ورجح لهم أنه أصلح للحجاز من بركات : وأن بركات ما هو إلا راعي معزا (١) ، فتمّ للقاضي ما أراد ووصلت المراسيم والخلع من مصر للجازاني ، فجمع الشريف بركات جندا عظيما من اليمن والشرق وغير ذلك ، وقصد أخاه الجازاني إلى مكة ، وعلم الجازاني أنه لا طاقة له به فخرج من مكة إلى ينبع ودخلها الشريف بركات بعساكره ، وكان يجامل القاضي في الظّاهر كثيرا ويحترز منه ويراعيه ويستشيره ، وكان يحذر من هجوم أخيه الجازاني وبني إبراهيم عليه ، ولم يزل يحتفظ بالعسكر بمكة ، فيقال أن القاضي أشار عليه بأنك أمنت من خصمك ولا حاجة إلى جمع الجند فقد تأذى أهل مكة من انبساطهم وفسادهم ، وهذا شهر رمضان مقبل لا يحتمل ذلك فالمصلحة انك تفسح لكل ينصرف الى اهله وبلده فأصغى الشريف بركات إلى مشورته وفرق الجند ، ولم يبق معه إلّا خاصته ومن يلوذ به ، فيقال : إن القاضي كتب إلى الجازاني : أن بركات قد فّرق جنده ، ولم يبق أحد عنده فلا يكون أسرع من وصولك إلى مكة على غرة وغفلة لتقبض عليه ، وأرسل مكتبا بالورقة ، فشاع بمكة إن القاضي أرسل قاصدا إلى ينبع ، فأرصد الشريف بركات الطرق لقاصد القاضي فظفروا به وفتّشوه فوجدوا معه الورقة ، فأتوا به وبالورقة إلى الشريف بركات فلما وقف على خط القاضي تحقّق أن القاضي ساع في هلاكه ، ولم يعلم القاضي بذلك ، ويقال إن الورقة مكيدة زورت على خط القاضي توصلا إلى هلاكه والله أعلم بحقيقة الأمر ، فلما فرغ القاضي من التدريس بالحرم الشريف بعد
__________________
(١) كذا في الأصل وفي قلائد النحر : ما هو إلا مغزى.