وأمّا ثالثاً : فلأنّ الظاهر أنّ مراد الشيخ بهذا العلم هو الظنّ الراجح ؛ لأنّ العلم الحقيقي المطابق لما في نفس الأمر مشكل الحصول ، من حيث إنّ المطابقة في المحسوس تظهر في الحس ، أمّا في المعقولات فليست المطابقة إلّا باعتقاد المطابقة ، واعتقاد المطابقة لا بدّ وأن يكون مطابقاً وهكذا ، فيلزم التسلسل أو الدور ، غاية الأمر أنّه يمكن تكلّف الجواب ، إلّا أنّ [ عدم ] (١) الدخول في باب المضائقة (٢) مع إمكان الخروج بإرادة العلم الذي ذكرناه أولىٰ .
وما يقال : إنّ العلم الشرعي يحصل من الخبر بدون القرائن ، فأيّ حاجة إليها ؟ .
جوابه : أنّ كلامنا في مرتبة أعلىٰ من هذا ، وهو الظنّ الراجح ، وإن ذهب بعض من الاُصوليين إلىٰ أنّ خبر الواحد مطلقاً يفيد العلم (٣) ؛ إلّا أنّه إن أراد العلم الشرعي فلا نزاع معه ؛ وغيره محل الكلام ، بل لا وجه له .
وبالجملة : فالاحتمال في كلام الشيخ ممكن لولا قوله في أوّل الكلام : وهذا لاحق بالقسم الأوّل ـ يعني المتواتر ـ فإنّ الظاهر منه أنّه علىٰ نهجه .
وفيه : أنّه يجوز إرادة الإلحاق في وجوب العمل ، وأنت خبير بإمكان ردّ هذا من حيث إنه قائل فيما بعد : إنّ الخبر العاري عن القرائن والمعارض يجب العمل به ، فيتحد مع هذا .
وقد يقال بالفرق بين الخبرين ، من حيث إنّ الخبر المحفوف بالقرائن
__________________
(١) ما بين المعقوفين أضفناه لاستقامة المعنىٰ .
(٢) في « رض » : المطابقة .
(٣) حكاه الشيخ في العدّة عن قوم من أهل الظاهر ، ١ : ٩٧ ، والمحقق الحلّي في معارج الاُصول : ١٤٠ .