في تفسير سورة الإسراء
بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
﴿سُبْحانَ الَّذِي أَسْرى بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى
الَّذِي بارَكْنا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آياتِنا إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ (١)﴾
ثمّ لمّا ختم الله تعالى سورة النحل المحتوية لاثبات التوحيد بالبراهين القاطعة ، وردّ شبهات المشركين فيه وفي صدق القرآن العظيم ونبوة خاتم النبيين ، وأمر النبي صلىاللهعليهوآله باتّباع إبراهيم عليهالسلام ، أردفها بسورة الاسراء المشتملة على جلّ تلك المطالب العالية وإظهار شرف نبيه محمّد صلىاللهعليهوآله على إبراهيم عليهالسلام ، حيث بيّن فيها أنّه تعالى أسرى بحبيبه وعبده إلى قاب قوسين أو أدنى ليريه من آياته الكبرى ، وإنما أرى خليله ملكوت السماوات والأرض وهو في مكانه من الأرض ، إلى غير ذلك من المناسبات التي توجب تعاقبهما ، فابتدأ فيها بذكر أسمائه الحسنى على حسب دأبه تعالى ورسمه تعليما للعباد بقوله : ﴿بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ.﴾
ثمّ شرع فيه بتنزيه ذاته المقدّسة من الشرك والمعجز بقوله : ﴿سُبْحانَ الَّذِي﴾ فعل بقدرته الكاملة أعجب العجائب وأبدع البدائع ، وهو أنّه ﴿أَسْرى بِعَبْدِهِ﴾ وحبيبه محمّد صلىاللهعليهوآله وأعرج به (١)﴿لَيْلاً.﴾
قيل : ذكر الليل وتنكيره للدلالة على قلّة مدّة الإسراء ، وهو بعض الليل (٢) .
وقيل : لما وصل النبي صلىاللهعليهوآله إلى الدرجات العالية والمراتب الرفيعة في معراجه ، أوحى الله إليه : يا محمّد ، بم أشرّفك ؟ قال : « يا ربّ بأن تنسبني إلى نفسك بالعبودية » فأنزل الله فيه (٣) : ﴿سُبْحانَ الَّذِي أَسْرى بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ﴾ ومكة المعظّمة ﴿إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى﴾ قيل : هو بيت المقدس (٤)﴿الَّذِي بارَكْنا حَوْلَهُ﴾ بالثّمار والأزهار وقرار الأنبياء وهبوط الملائكة فيه ﴿لِنُرِيَهُ﴾ بعضا ﴿مِنْ آياتِنا﴾ العظام التي لم نره غيره من الأنبياء ﴿إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ﴾ لأقواله ﴿الْبَصِيرُ﴾ بنورانيته ومسانحته لعالم الأنوار وبأحواله وأخلاقه وأعماله.
__________________
(١) في النسخة : وأعرجه.
(٢) تفسير الرازي ٢٠ : ١٤٦ ، تفسير روح البيان ٥ : ١٠٣.
(٣) تفسير الرازي ٢٠ : ١٤٦.
(٤) تفسير الرازي ٢٠ : ١٤٦.