وقيل : إنّ المراد قد علم الله صلاته وتسبيحه لقوله بعده : ﴿وَاللهُ عَلِيمٌ بِما يَفْعَلُونَ﴾(١) من التسبيح والدعاء ، فيجازيهم بما يستحقّون ، و فيه تهديد للغافلين ثمّ بيّن سبحانه كمال عظمته الموجبة للخضوع له والثناء عليه بقوله : ﴿وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ﴾ لأنه خالقهما وخالق ما فيهما من الذزرة والدّرة ، والمتصرّف في الجميع إيجادا وإعداما وتقليبا وتغييرا ﴿وَإِلَى اللهِ﴾ خاصة ﴿الْمَصِيرُ﴾ والرجوع للكلّ بالفناء والبعث ، فعلى العاقل أن يخضع لهذا الملك القادر القاهر العظيم ، ويسبحّه ويقدّسه من الشريك والمثل والحاجة والنقائص الإمكانية.
﴿أَ لَمْ تَرَ أَنَّ اللهَ يُزْجِي سَحاباً ثُمَّ يُؤَلِّفُ بَيْنَهُ ثُمَّ يَجْعَلُهُ رُكاماً فَتَرَى الْوَدْقَ
يَخْرُجُ مِنْ خِلالِهِ وَيُنَزِّلُ مِنَ السَّماءِ مِنْ جِبالٍ فِيها مِنْ بَرَدٍ فَيُصِيبُ بِهِ مَنْ
يَشاءُ وَيَصْرِفُهُ عَنْ مَنْ يَشاءُ يَكادُ سَنا بَرْقِهِ يَذْهَبُ بِالْأَبْصارِ (٤٣)﴾
ثمّ استدلّ سبحانه على كمال عظمته وقدرته بقوله : ﴿أَ لَمْ تَرَ﴾ يا محمّد ، أو أيها الانسان بعين رأسك ﴿أَنَّ اللهَ يُزْجِي﴾ وينشئ شيئا فشيئا ، أو يسوق قليلا قليلا ﴿سَحاباً﴾ متقطعا ﴿ثُمَّ يُؤَلِّفُ﴾ ويجمع ﴿بَيْنَهُ﴾ ويضمّ بعض القطعات إلى بعض ﴿ثُمَ﴾ بعد تأليف قطعاته وصيرورته سحابا واحدا ﴿يَجْعَلُهُ رُكاماً﴾ ويصيّره متراكما حتى يكون غليظا قابلا لحمل الماء الكثير ﴿فَتَرَى﴾ بعد ذلك التأليف والتراكم ﴿الْوَدْقَ﴾ و[ الودق ] : المطر ، كما عن ابن عباس (٢)﴿يَخْرُجُ﴾ ويتقاطر ﴿مِنْ خِلالِهِ﴾ وفرجه التي حدثت من تراكمه وتعصيره بسبب الرياح.
عن الباقر عليهالسلام - في حديث يذكر فيه أنواع الرياح - قال : « ومنها رياح تحبس السّحاب بين السماء والأرض ، ومنها رياح تعصر السّحاب فتمطر بإذن الله ، ومنها رياح تفرّق السّحاب » (٣) .
﴿وَيُنَزِّلُ﴾ الله أيضا ﴿مِنَ السَّماءِ﴾ المطلّ (٤) أو جهة العلو بعضا ﴿مِنْ جِبالٍ﴾ وقطع عظام يكون ﴿فِيها﴾ مقدار معين ﴿مِنْ بَرَدٍ﴾ ومطر منجمد في الجوّ كالثلج ﴿فَيُصِيبُ بِهِ مَنْ يَشاءُ﴾ أن يصيبه ، فيناله ما يناله من الضرر في نفسه وماله ﴿وَيَصْرِفُهُ عَنْ مَنْ يَشاءُ﴾ صرفه عنه ومنعه من السقوط عليه ، كي لا يتضرّر به.
قيل : إنّ أكثر المفسرين قالوا : إنّ في السماء جبالا من برد ، خلقها الله تعالى كذلك ، ثمّ ينزل منها ما شاء (٥) من السّحاب.
__________________
(١) تفسير الرازي ٢٤ : ١٠.
(٢) تفسير الرازي ٢٤ : ١٣.
(٣) من لا يحضره الفقيه ١ : ٣٤٥ / ١٥٢٥ ، تفسير الصافي ٣ : ٤٤٠.
(٤) كذا ، ولفظ السماء مؤنث ، ويجوز تذكيره.
(٥) تفسير الرازي ٢٤ : ١٤.