وقيل : إنّ المراد السميع لما يقولون للرسول عند دعواه المعراج ، البصير بما يعملون في هذه الواقعة(١) .
روى بعض العامة أنّه بات ليلة الاثنين السابع والعشرين من رجب في بيت امّ هانئ بنت أبي طالب ، ونام بعد أن صلّى الركعتين اللتين كان يصليهما في وقت العشاء ، ففرج عن سقف بيتها ونزل جبرئيل وميكائيل وإسرافيل ، ومع كلّ واحد منهم سبعون ألف ملك فأيقظه جبرئيل بجناحه ، قال عليهالسلام : فقمت إلى جبرئيل ، فقلت : أخي جبرئيل ما لك ؟ فقال : يا محمّد ، إنّ ربّي تعالى بعثني إليك ، وأمرني بأن آتيه بك في هذه الليلة بكرامة لم يكرم بها أحد قبلك ولا يكرم بها أحد بعدك ، فانّك تريد أن تكلّم ربّك وتنظر إليه وترى في هذه الليلة من عجائب ربّك وعظمته وقدرته » قال : « فتوضّأت وصليت ركعتين » .
قال الراوي : وشقّ جبرئيل صدره الشريف من الموضع المنخفض بين التّرقوتين إلى أسفل بطنه ، فجاء بطشت من ماء زمزم ، واستخرج قلبه فغسله ثلاث مرات ، ونزع ما كان فيه من أذى ، ثمّ جاء بطشت من ذهب يمتلئ إيمانا وحكمة ، فأفرغ فيه ، ثمّ أعاد القلب إلى مكانه ، والتأم صدره الشريف ، فكانوا يرون أثرا كأثر الخيط (٢) في صدره.
قال صلىاللهعليهوآله : « ثمّ جاء جبرئيل بدابة بيضاء ، فقلت : يا جبرئيل ، ما هذه الدابة ؟ فقال : هذا البراق فاركب عليه حتى تمضي إلى دعوة ربّك ، فأخذ جبرئيل بلجامها وميكائيل بركابها وإسرافيل من خلفها ، فقصدت أن أركبها فجمحت الدابة وأبت ، فوضع جبرئيل يده على وركها ، وقال لها : ألا تستحين ممّا فعلت ؟ ! فو الله ما ركبك أحد أكرم على الله من محمّد ، فرشحت عرقا من الحياء ، فقالت : يا جبرئيل ، لم أستصعب منه إلّا ليضمن أن يشفع لي يوم القيامة ، لأنّه أكرم الخلائق على الله ، فضمن لها ذلك » (٣) .
روي أنه صلىاللهعليهوآله قال : « لمّا عرج بي إلى السماء ، بكت الأرض من بعدي ، فنبت الأصفر من نباتها ، فلمّا رجعت قطر عرقي على الأرض ، فنبت ورد أحمر ، ألا من أراد أن يشمّ رائحتي فليشمّ الورد الأحمر » .
قال : فركبه (٤) ، فانطلق البراق يهوي به يضع حافره حيث أدرك طرفه ، حتى بلغ أرضا ، فقال له جبرئيل : انزل فصلّ ركعتين هاهنا. ففعل ، ثمّ ركب فقال له جبرئيل : أتدري أين صلّيت ؟ قال : « لا» . قال : صلّيت بمدين ، فانطلق البراق يهوي به ، فقال له جبرئيل : انزل فصلّ ففعل ، ثم ركب ، فقال : أتدري أين صلّيت ؟ قال : « لا » . قال : صلّيت ببيت لحم ، وهي قرية تلقاء بيت المقدس حيث ولد
__________________
(١) تفسير الرازي ٢٠ : ١٤٧.
(٢) في تفسير روح البيان : المخيط.
(٣) تفسير روح البيان ٥ : ١٠٦.
(٤) في النسخة : فركبتها.