﴿وَكانَ فِي الْمَدِينَةِ تِسْعَةُ رَهْطٍ يُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ وَلا يُصْلِحُونَ * قالُوا
تَقاسَمُوا بِاللهِ لَنُبَيِّتَنَّهُ وَأَهْلَهُ ثُمَّ لَنَقُولَنَّ لِوَلِيِّهِ ما شَهِدْنا مَهْلِكَ أَهْلِهِ وَإِنَّا
لَصادِقُونَ * وَمَكَرُوا مَكْراً وَمَكَرْنا مَكْراً وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ * فَانْظُرْ كَيْفَ كانَ
عاقِبَةُ مَكْرِهِمْ أَنَّا دَمَّرْناهُمْ وَقَوْمَهُمْ أَجْمَعِينَ * فَتِلْكَ بُيُوتُهُمْ خاوِيَةً بِما ظَلَمُوا
إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ * وَأَنْجَيْنَا الَّذِينَ آمَنُوا وَكانُوا يَتَّقُونَ (٤٨) و (٥٣)﴾
ثمّ بيّن سبحانه أنّهم بعد إساءتهم القول أساءوا في معاملتهم معه بقوله : ﴿وَكانَ فِي الْمَدِينَةِ﴾ التي فيها صالح من أرض الحجر ﴿تِسْعَةُ رَهْطٍ﴾ وجماعة أو أشخاص ، كانت أسماؤهم على ما قيل : هذيل بن عبد الرب ، وغنم بن غنم ، وياب بن مهرج ، ومصدع بن مهرج ، وعمير بن كردية ، وعاصم بن مخزمة ، وسبيط بن صدقة ، وسمعان بن صفي ، وقدار بن سالف ، وهو رئيسهم (١) .
وقيل : قدار بن سالف ، ومصدع بن دهر ، وأسلم ، ورهمي ، ورهيم ، ودعمي ودعيم ، وقبال ، وصداف ، وكانوا عتاة القوم وأبناء أشرافهم (٢) .
وهم ﴿يُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ﴾ التي سكنوها بالاشتغال بالمعاصي وإشاعة الكفر ﴿وَلا يُصْلِحُونَ﴾ أمرا من الامور ، ولا يمزجون شرّهم بشيء من الخير ، وفسادهم بشيء من الصلاح ، وكان من إفسادهم المحض أن ﴿قالُوا﴾ في أثناء مشاورتهم في أمر صالح حال كونهم ﴿تَقاسَمُوا﴾ وتحالفوا ﴿بِاللهِ﴾ على نحو معتبر عندهم : ﴿لَنُبَيِّتَنَّهُ﴾ ولنهاجمنّ عليه في الليل بغتة ولنقتلنّه ﴿وَأَهْلَهُ﴾ ومن معه ﴿ثُمَّ لَنَقُولَنَّ لِوَلِيِّهِ﴾ ووارث دمه إذا سئلنا عن قاتله : ﴿ما شَهِدْنا﴾ وما حضرنا مهلك صالح و﴿مَهْلِكَ أَهْلِهِ﴾ ومقتلهم ، أو هلاكهم وقتلهم حتى تعرف قاتلهم ﴿وَإِنَّا لَصادِقُونَ﴾ فيما نقول من عدم حضورنا في ذلك المكان فضلا عن التولي له.
﴿وَمَكَرُوا﴾ في قتل صالح ﴿مَكْراً﴾ ضعيفا ، واحتالوا حيلة هيّنة بهذه المواضعة ﴿وَمَكَرْنا﴾ في إهلاكهم ﴿مَكْراً﴾ عجيبا ، ودبّرنا تدبيرا متينا بجعل مواضعتهم سببا لهلاكهم ﴿وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ﴾ بذلك.
روي أنه كان لصالح مسجد في الحجر في شعب يصلي فيه ، فلمّا وعدهم بعد عقرهم الناقة بالعذاب إلى ثلاثة أيام ، قالوا : زعم صالح أنّه يفرغ منّا إلى ثلاث ، فنحن نفرغ منه ومن أهله قبل الثلاث ، فخرجوا إلى الشّعب ليقتلوه إذا جاء للصلاة ثمّ يرجعوا إلى أهله فيقتلوهم ، فبعث الله صخرة
__________________
(١و٢) تفسير روح البيان ٦ : ٣٥٦.