على هذه الآية (١) حيث إنّها على إيجازها حاوية لجميع ما ينبغي للمؤمن أن يفعله.
ثمّ لمّا بيّن سبحانه استنكاف المنافقين عن إطاعة الرسول والانقياد لحكمه ، حكى حلفهم الكاذب على طاعتهم له بقوله : ﴿وَأَقْسَمُوا بِاللهِ جَهْدَ أَيْمانِهِمْ﴾ وحلفوا أشدّ حلفهم تقوية لما أخبروا به من قولهم : ﴿لَئِنْ أَمَرْتَهُمْ﴾ بالخروج ﴿لَيَخْرُجُنَّ.﴾
عن مقاتل لمّا بيّن الله تعالى كراهة المنافقين لحكم الرسول فقالوا : والله لئن امرتنا ان نخرج من ديارنا وأموالنا ونسائنا لخرجنا (٢) .
ثمّ أمر سبحانه رسوله صلىاللهعليهوآله نهيهم عن هذا القسم بقوله : ﴿قُلْ﴾ لهم يا محمّد ﴿لا تُقْسِمُوا﴾ على ما تقولون غدرا ونفاقا ، فانّ المطلوب منكم ﴿طاعَةٌ﴾ للرسول ﴿مَعْرُوفَةٌ﴾ لكلّ أحد بالأفعال والإخلاص وصدق النيّة ، لا اليمين الكاذبة. أو المعنى طاعة معروفة أمثل من قسمكم بما لا تصدّقون فيه ، أو المعنى دعوا القسم فانّ عليكم طاعة معروفة فتمسّكوا بها ، أو طاعتكم طاعة نفاقية فانّها معروفة منكم لكلّ أحد ﴿إِنَّ اللهَ خَبِيرٌ بِما تَعْمَلُونَ﴾ من الغدر والنفاق لا يخفى عليه سرائركم ، وإنّه فاضحكم ومجازيكم على نفاقكم.
﴿قُلْ أَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّما عَلَيْهِ ما حُمِّلَ وَعَلَيْكُمْ ما
حُمِّلْتُمْ وَإِنْ تُطِيعُوهُ تَهْتَدُوا وَما عَلَى الرَّسُولِ إِلاَّ الْبَلاغُ الْمُبِينُ (٥٤)﴾
ثمّ بالغ سبحانه في وجوب طاعته وطاعة رسوله بقوله : ﴿قُلْ :﴾ يا محمّد لهؤلاء المنافقين ﴿أَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ﴾ في جميع الفرائض والسنن من صميم القلب وصدق الإيمان برجاء الفوز والفلاح.
ثمّ صرف سبحانه الكلام عن الغيبة إلى الخطاب إبلاغا في تبكيتهم بقوله : ﴿فَإِنْ تَوَلَّوْا﴾ وتعرضوا عن الطاعة الحقيقية لله والرسول ﴿فَإِنَّما عَلَيْهِ﴾ صلىاللهعليهوآله ﴿ما حُمِّلَ﴾ وكلّف به من تبليغ الرسالة ﴿وَعَلَيْكُمْ ما حُمِّلْتُمْ﴾ وكلّفتم من الإجابة والطاعة ، فإن لا تطيعوه فقد بقيتم تحت هذا الحمل والثقل ، وبقيت عليكم تبعاته ﴿وَإِنْ تُطِيعُوهُ﴾ في ما أمركم به ﴿تَهْتَدُوا﴾ إلى جميع الخيرات الأبدية التي هي أقصى المطالب ، وتخلّصوا من الشرور والمهالك ﴿وَما عَلَى الرَّسُولِ﴾ المكرم ﴿إِلَّا الْبَلاغُ الْمُبِينُ﴾ والتبليغ الواضح الموضّح لجميع ما تحتاجون إليه ، وقد فعل وليس عليه إجباركم على الطاعة ، وإنّما بقي ما حمّلتم ، فان أدّيتم فلكم ، وإن تولّيتهم فعليكم.
__________________
(١) الكشاف ٣ : ٢٥٠ ، تفسير روح البيان ٦ : ١٧١.
(٢) تفسير الرازي ٢٤ : ٢٣.