القرآن من كلام الجنّ ونظمهم ، وإنّما ألقوه إلى محمد صلىاللهعليهوآله لإضلال الناس ، وإن قلنا : إنّ النبي صلىاللهعليهوآله أخبر بعجزهم يلزم الدور.
قلنا : إنّ قاعدة اللّطف مقتضية لاظهار معارضه بنحو من الانحاء ، فلمّا لم يظهر علمنا أنّهم أيضا عاجزون عن إتيان مثله وأنّه من الله تعالى.
﴿وَلَقَدْ صَرَّفْنا لِلنَّاسِ فِي هذَا الْقُرْآنِ مِنْ كُلِّ مَثَلٍ فَأَبى أَكْثَرُ النَّاسِ إِلاَّ
كُفُوراً (٨٩)﴾
ثمّ وصف سبحانه القرآن بجامعية العلوم بقوله : ﴿وَلَقَدْ صَرَّفْنا﴾ وكرّرنا ﴿لِلنَّاسِ فِي هذَا الْقُرْآنِ مِنْ كُلِ﴾ نحو من أنحاء التحدّي ، وبرهان من براهين المبدأ والمعاد وصحّة النبوة وردّ شبهات المشركين فيها ، وكلّ صنف من أصناف العلوم والأحكام والوعد والوعيد ، وأحوال الأنبياء ، وكيفية دعواهم وبيان معاجزهم ، ومعارضة اممهم وإصرارهم على التمرّد والعناد ، وابتلائهم بالعذاب ، وذكر الوعظ والنّصح وغيرها ممّا يحتاج إليه الناس ببيان يكون بمنزلة ﴿مَثَلٍ﴾ في الغرابة والوقع في النفس ﴿فَأَبى أَكْثَرُ النَّاسِ﴾ من مشركي مكة ﴿إِلَّا كُفُوراً﴾ وجحودا للحقّ وإنكارا للنعمة العظيمة من القرآن ورسالة الرسول.
عن الباقر عليهالسلام : « نزل جبرئيل بهذه الآية هكذا : ﴿فَأَبى أَكْثَرُ النَّاسِ﴾ - بولاية علي - ﴿إِلَّا كُفُوراً ﴾(١) .
﴿وَقالُوا لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى تَفْجُرَ لَنا مِنَ الْأَرْضِ يَنْبُوعاً * أَوْ تَكُونَ لَكَ جَنَّةٌ مِنْ
نَخِيلٍ وَعِنَبٍ فَتُفَجِّرَ الْأَنْهارَ خِلالَها تَفْجِيراً * أَوْ تُسْقِطَ السَّماءَ كَما زَعَمْتَ
عَلَيْنا كِسَفاً أَوْ تَأْتِيَ بِاللهِ وَالْمَلائِكَةِ قَبِيلاً * أَوْ يَكُونَ لَكَ بَيْتٌ مِنْ زُخْرُفٍ أَوْ
تَرْقى فِي السَّماءِ وَلَنْ نُؤْمِنَ لِرُقِيِّكَ حَتَّى تُنَزِّلَ عَلَيْنا كِتاباً نَقْرَؤُهُ قُلْ سُبْحانَ
رَبِّي هَلْ كُنْتُ إِلاَّ بَشَراً رَسُولاً (٩٠) و (٩٣)﴾
ثمّ بيّن الله سبحانه كفران المشركين نعمة القرآن بعدم اكتفائهم به في الاعجاز والتماسهم المعجزات الاخر تعنّتا ولجاجا بقوله : ﴿وَقالُوا﴾ يا محمّد ﴿لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ﴾ ولا نعترف بنبوتك أبدا ﴿حَتَّى تَفْجُرَ﴾ وتخرج ﴿لَنا مِنَ﴾ هذه ﴿الْأَرْضِ﴾ التي نسكنها ﴿يَنْبُوعاً﴾ وعينا كثيرة الماء ﴿أَوْ تَكُونَ لَكَ جَنَّةٌ﴾ وبستان كثير الأشجار ، وكانت أشجارها ﴿مِنْ﴾ جنس ﴿نَخِيلٍ وَعِنَبٍ فَتُفَجِّرَ﴾
__________________
(١) تفسير العياشي ٣ : ٨٢ / ٢٦٠٨ ، الكافي ١ : ٣٥١ / ٦٤ ، تفسير الصافي ٣ : ٢١٦.