فِيهِ وَرِزْقُ رَبِّكَ خَيْرٌ وَأَبْقى (١٣١)﴾
ثمّ نهى سبحانه نبيّه صلىاللهعليهوآله عن التوجّه إلى الزّخارف التي بيد المشركين والرّغبة إلى دنياهم بقوله : ﴿وَلا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ﴾ ولا تطلن نظرك استحسانا وإعجابا ﴿إِلى ما مَتَّعْنا﴾ ونفعنا ﴿بِهِ﴾ من الزّخارف الدنيويّة ﴿أَزْواجاً﴾ من الكفّار وأصنافا ﴿مِنْهُمْ﴾ كالوثنيّ ، واليهود ، والنصارى وغيرهم ، إنّها تكون ﴿زَهْرَةَ الْحَياةِ الدُّنْيا﴾ وزينتها وبهجتها ﴿لِنَفْتِنَهُمْ﴾ ونختبرهم ﴿فِيهِ﴾ أو نعذّبهم به ﴿وَرِزْقُ رَبِّكَ﴾ وعطاؤه من الكفاف في الدنيا والثواب في الآخرة ، أو الهدى والنبوّة ﴿خَيْرٌ﴾ وأفضل ممّا عند الكفرة من الأموال الوفيرة ﴿وَأَبْقى﴾ وأدوم لعدم انقطاعه أبدا.
روي أنّه نزل ضيف بالنبيّ صلىاللهعليهوآله ، قال الراوي : فبعثني إلى يهودي لبيع أو سلف فقال : والله لا أفعل ذلك إلّا برهن ، فأخبرته بقوله ، فأمرني أن أذهب بدرعه إليه ، فنزلت الآية (١) .
وقال صلىاللهعليهوآله : « إنّ الله لا ينظر إلى صوركم ، ولا إلى أموالكم ، ولكن ينظر إلى قلوبكم وأعمالكم» (٢) .
وعن الصادق عليهالسلام : « لمّا نزلت الآية استوى رسول الله صلىاللهعليهوآله جالسا ثمّ قال : من لم يتعزّ بعزاء الله تقطّعت نفسه على الدنيا حسرات ، ومن اتّبع بصره ما في أيدي الناس طال همّه ولم يشف غيظه ، ومن لم يعرف أنّ لله عليه نعمة إلّا في مطعم أو مشرب قصر أجله ودنا عذابه » (٣) .
وعنه عليهالسلام : « إيّاك أن تطمح بصرك إلى من [ هو ] فوقك ، وكفى بما قال الله عزوجل لرسوله صلىاللهعليهوآله : ﴿فَلا تُعْجِبْكَ أَمْوالُهُمْ وَلا أَوْلادُهُمْ﴾(٤) وقال : ﴿لا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ﴾ الآية » (٥) .
﴿وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْها لا نَسْئَلُكَ رِزْقاً نَحْنُ نَرْزُقُكَ وَالْعاقِبَةُ
لِلتَّقْوى (١٣٢)﴾
ثمّ بعد أمره تعالى نبيّه صلىاللهعليهوآله بالتّسبيح والصلاة ، أمره أن يأمر أقاربه بها بقوله : ﴿وَأْمُرْ﴾ يا محمّد ﴿أَهْلَكَ﴾ وخاصّة أقاربك ﴿بِالصَّلاةِ﴾ كما أمرناك بها ﴿وَاصْطَبِرْ﴾ وداوم أنت وهم ﴿عَلَيْها﴾ واجتهدوا فيها ، فإنّا بأمرنا هذا ﴿لا نَسْئَلُكَ﴾ ولا نطلب منك ﴿رِزْقاً﴾ ونفعا لنا فإنّا ﴿نَحْنُ نَرْزُقُكَ.﴾
وقيل : يعني لا نكلّفك أن ترزق نفسك وأهلك ، بل نحن نرزقك ونرزق أهلك في الدنيا بوجوه النّعم ، وفي الآخرة بعظائم الثّواب (٦) ، ففرّغ بالك للعبادة وأمر الآخرة ﴿وَالْعاقِبَةُ﴾ المحمودة من الجنّة
__________________
(١) تفسير الرازي ٢٢ : ١٣٥ ، تفسير روح البيان ٥ : ٤٤٦.
(٢) تفسير الرازي ٢٢ : ١٣٥.
(٣) تفسير القمي ٢ : ٦٦ ، تفسير الصافي ٣ : ٣٢٧.
(٤) التوبة : ٩ / ٥٥.
(٥) الكافي ٨ : ١٦٨ / ١٨٩ ، تفسير الصافي ٣ : ٣٢٧.
(٦) تفسير الرازي ٢٢ : ١٣٧.