أقول : هذه الروايات في تأويل الآيات لا تفسيرها.
﴿أَ فَلَمْ يَهْدِ لَهُمْ كَمْ أَهْلَكْنا قَبْلَهُمْ مِنَ الْقُرُونِ يَمْشُونَ فِي مَساكِنِهِمْ إِنَّ فِي ذلِكَ
لَآياتٍ لِأُولِي النُّهى * وَلَوْ لا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِنْ رَبِّكَ لَكانَ لِزاماً وَأَجَلٌ
مُسَمًّى (١٢٨) و (١٢٩)﴾
ثمّ وبّخ سبحانه المعرضين عن الآيات بعدم اعتبارهم بما نزل على الامم الماضية من العذاب بقوله : ﴿أَ فَلَمْ يَهْدِ لَهُمْ﴾ قيل : إنّ المعنى أغفلوا فلم يتبيّن لهم (١) أنّا ﴿كَمْ أَهْلَكْنا قَبْلَهُمْ﴾ وفي الأعصار السّابقة على عصرهم ﴿مِنَ الْقُرُونِ﴾ والامم المكذّبة لرسلهم المعرضة عن آيات ربّهم وهم ﴿يَمْشُونَ فِي مَساكِنِهِمْ﴾ غافلين آمنين ممّا نزل بهم.
وقيل : يعني وقريش المعرضون عن الآيات يمشون في مساكن اولئك الامم المهلكة وقراهم ، كقرى ثمود ، وقوم لوط ، وأصحاب الحجر ، حين مسافرتهم إلى الشّام ، ويشاهدون الآثار الدالّة على ما كانوا عليه من النّعم ، وما حلّ بهم من أنواع العذاب والهلاك (٢) .
﴿إِنَّ فِي ذلِكَ﴾ العذاب النازل على الامم السّابقة بتكذيبهم الرسل وإعراضهم عن معجزاتهم ، والله ﴿لَآياتٍ﴾ على توحيد الله وقهّاريته ﴿لِأُولِي النُّهى﴾ والعقول السّليمة الناهية عن القبائح والأعمال السيّئة.
ثمّ بيّن سبحانه علّة تأخير العذاب عن المعرضين عن الرسول ومعجزاته بقوله : ﴿وَلَوْ لا كَلِمَةٌ﴾ وعدة ﴿سَبَقَتْ مِنْ رَبِّكَ﴾ بتأخير عذاب هذه الامّة إلى القيامة ببركة الرسول ﴿لَكانَ﴾ العذاب في هذه الدنيا على كفرهم وعنادهم للحقّ ﴿لِزاماً﴾ وواجبا فوريّا بحيث لم يتأخّر عن جناياتهم ساعة ، كما صار لازما للماضين من الامم المكذّبة ﴿وَ﴾ لولا ﴿أَجَلٌ مُسَمًّى﴾ لأعمارهم ، أو لنزول العذاب عليهم ، وهو يوم بدر أو القيامة ، لما تأخّر عنهم أصلا.
قيل : الفصل بين المعطوف وهو ﴿أَجَلٌ مُسَمًّى﴾ والمعطوف عليه وهو ﴿لَوْ لا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ﴾ للدّلالة على استقلال كلّ واحد منهما في مانعيّة نزول العذاب (٣) .
القمي قال : اللّزام الهلاك ، قال : يعني كان ينزل بهم العذاب ، ولكن قد أخّرهم إلى أجل مسمّى(٤) .
﴿فَاصْبِرْ عَلى ما يَقُولُونَ وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ غُرُوبِها
__________________
(١) تفسير أبي السعود ٦ : ٤٩ ، تفسير روح البيان ٥ : ٤٤٣.
(٢) تفسير الرازي ٢٢ : ١٣٢ ، تفسير أبي السعود ٦ : ٤٩ ، تفسير روح البيان ٥ : ٤٤٣.
(٣) تفسير أبي السعود ٦ : ٤٩ ، تفسير روح البيان ٥ : ٤٤٣.
(٤) تفسير القمي ٢ : ٦٦ ، تفسير الصافي ٣ : ٣٢٦.