قال عليهالسلام : « من قال ذلك فقد افترى على موسى عليهالسلام واستجهله في نبوّته ؛ لأنّه ما خلا الأمر فيها من خصلتين (١) : إمّا أن تكون صلاته فيها جائزة [ أو غير جائزة ] ، فان كانت صلاته جائزة جاز له لبسها في تلك البقعة إذا لم تكن مقدّسة ، وإن كانت مقدّسة مطهّرة فليست بأقدس وأطهر من الصلاة. وإن كانت صلاته [ غير ] جائزة فيها ، فقد أوجب على موسى أنّه لا يعرف الحلال من الحرام ، ولم يعلم ما جاز فيه الصلاة وما لم يجز ، وهذا كفر » .
قيل : فأخبرني يا مولاي عن التأويل فيها. قال ( صلوات الله عليه ) : « إنّ موسى ناجى ربّه بالوادي المقدّس فقال : يا ربّ إنّي [ قد ] أخلصت لك المحبّة منّي ، وغسلت قلبي عمّن سواك ، وكان شديد الحبّ لأهله ، فقال الله : اخلع نعليك ، أي انزع حبّ أهلك من قلبك إن كانت محبّتك لي خالصة ، وقلبك من الميل إلى سواي مغسولا » (٢) .
وعن الصادق عليهالسلام : « يعني ارفع خوفيك ؛ يعني خوفه من ضياع أهله وقد خلّفها تمخض ، وخوفه من فرعون » (٣) .
وقيل : يعني فاترك الالتفات إلى الدنيا والآخرة ، وكن مستغرقا في محبّة الله ، ويكون المراد بالواد المقدّس قدس الله تعالى (٤) .
وقيل : إنّ موسى كان يلبس النّعلين لحفظ رجليه عن النّجاسة وعن هوامّ الأرض ، فقال سبحانه: اخلع نعليك فإنّ هذا الوادي مقدّس ومطهّر من النجاسات ، وآمن من لدغ الهوام (٥) .
﴿وَأَنَا اخْتَرْتُكَ فَاسْتَمِعْ لِما يُوحى * إِنَّنِي أَنَا اللهُ لا إِلهَ إِلاَّ أَنَا فَاعْبُدْنِي وَأَقِمِ
الصَّلاةَ لِذِكْرِي (١٣) و (١٤)﴾
ثمّ نصبه الله سبحانه للرسالة بقوله : ﴿وَأَنَا اخْتَرْتُكَ﴾ واصطفيتك لرسالتي ولمناجاتي ﴿فَاسْتَمِعْ﴾ يا موسى ﴿لِما يُوحى﴾ إليك من قبلي.
قيل : في قوله : ﴿وَأَنَا اخْتَرْتُكَ﴾ إظهار لغاية لطفه ، وفي قوله : ﴿فَاسْتَمِعْ لِما يُوحى﴾ إظهار لغاية مهابته ، فكأنّه قال : قد جاءك أمر عظيم من قبلنا ، فتأهّب له واصرف جميع قواك وجوارحك إليه(٦) .
ويحتمل تعلّق قوله : ﴿لِما يُوحى﴾ بقوله : ﴿وَأَنَا اخْتَرْتُكَ﴾ وكون ( ما ) مصدريّة ، والمعنى : أنا اخترتك لوحيي ، وأهمّه ﴿إِنَّنِي أَنَا اللهُ لا إِلهَ﴾ ولا معبود بالاستحقاق في عالم الوجود ﴿إِلَّا أَنَا﴾
__________________
(١) في كمال الدين : خطيئتين.
(٢) كمال الدين : ٤٦٠ / ٢١ ، تفسير الصافي ٣ : ٣٠٢.
(٣) علل الشرائع : ٦٦ / ٢ ، تفسير الصافي ٣ : ٣٠٢.
(٤) تفسير الرازي ٢٢ : ١٧ ، تفسير روح البيان ٥ : ٣٧٠.
(٥) مجمع البيان ٧ : ١٠.
(٦) تفسير الرازي ٢٢ : ١٩.