﴿تَبارَكَ الَّذِي إِنْ شاءَ جَعَلَ لَكَ خَيْراً مِنْ ذلِكَ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا
الْأَنْهارُ وَيَجْعَلْ لَكَ قُصُوراً (١٠)﴾
ثمّ أجاب سبحانه عن خرافاتهم بقوله : ﴿تَبارَكَ﴾ وتعالى الإله ﴿الَّذِي إِنْ شاءَ﴾ ورأى الصلاح ﴿جَعَلَ لَكَ﴾ في الدنيا ﴿خَيْراً﴾ وأفضل ﴿مِنْ ذلِكَ﴾ الذي يقولون من النّعم الدنيوية كالكنز والجنّة ، وذلك الخير هو ﴿جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ وَيَجْعَلْ لَكَ قُصُوراً﴾ مشيّدة كقصور الجنّة.
روي أن مترفي قريش عيّروا النبيّ صلىاللهعليهوآله بالفقر ، فجاء رضوان خازن الجنان بعد نزول تلك الآيات إلى النبيّ ، وكانت معه حقّة (١) ، فوضعها عند النبيّ صلىاللهعليهوآله وقال : يا رسول الله ، إن فيها مفاتيح خزائن الأرض ، أعطاك ربك [ إياها ] ويقول : خذها وتصرّف في خزائن الأرض كيف شئت من غير أن ينقص من كرامتك عليّ شيء. فقال النبي صلىاللهعليهوآله « يا رضوان ، مالي إليها حاجة ، فانّ الفقر أحبّ إليّ ، واريد أن أكون عبدا شكورا صبورا » (٢) .
وفي الحديث : أن ربي عرض عليّ أن يجعل لي بطحاء مكة ذهبا ، قلت : لا يا رب ، ولكن أجوع يوما وأشبع يوما ، فأمّا اليوم الذي أجوع فيه فاتضرّع إليك وأدعوك ، وأما اليوم الذي أشبع فيه فأحمدك وأثني عليك (٣) .
عن ابن عباس قال : بينما رسول الله صلىاللهعليهوآله جالس وجبرئيل عليهالسلام عنده ، قال جبرئيل عليهالسلام : هذا ملك قد نزل من السماء ، استأذن ربّه في زيارتك ، فلم يلبث إلّا قليلا حتى جاء الملك ، وسلّم على رسول الله صلىاللهعليهوآله وقال : إنّ الله يخيّرك بين أن يعطيك مفاتيح كلّ شيء ، لم يعطها أحدا قبلك ، ولا يعطيها أحدا بعدك ، من غير أن ينقصك ممّا ادّخر لك شيئا. فقال صلىاللهعليهوآله : « بل يجمعها جميعا لي في الآخرة » . فنزل [ قوله ]﴿تَبارَكَ الَّذِي إِنْ شاءَ﴾ الآية (٤) .
وعنه رحمهالله : قال صلىاللهعليهوآله : « عرض عليّ حبرئيل بطحاء مكة ذهبا ، فقلت : [ بل ] شبعة وثلاث جوعات ، وذلك أكثر لذكري ومسألتي لربّي » (٥) .
وفي رواية قال : « أشبع يوما وأجواع ثلاثا ، فأحمدك إذا شبعت ، واتضرّع إليك إذا جعت » (٦).
وعن الضحّاك : لمّا عيّر المشركون رسول الله صلىاللهعليهوآله بالفاقة حزن رسول الله صلىاللهعليهوآله لذلك ، فنزل جبرئيل عليهالسلام معزّيا له وقال : إنّ الله يقرئك السّلام ، ويقول : ﴿وَما أَرْسَلْنا قَبْلَكَ مِنَ الْمُرْسَلِينَ إِلَّا إِنَّهُمْ
__________________
(١) في أسباب النزول : سفط.
(٢) أسباب النزول للواحدي : ١٨٨ ، تفسير روح البيان ٦ : ١٩٢.
(٣) تفسير روح البيان ٦ : ١٩٢.
(٤-٦) تفسير الرازي ٢٤ : ٥٤.