فيقولون : انطلقوا بنا إلى آدم يشفع لنا ، فيأتون آدم ، فيقولون : [ يا آدم ] اشفع لنا عند ربّك. فيقول : إنّ لي ذنبا وخطيئة ، فعليكم بنوح فيأتون نوحا فيردّهم إلى من يليه ، ويردّهم كلّ نبي إلى من يليه حتى ينتهوا إلى عيسى ، فيقول : عليكم بمحمد رسول الله صلىاللهعليهوآله. فيعرضون أنفسهم عليه ويسألونه فيقول : أن انطلقوا ، فينطلق بهم إلى باب الجنة ، ويستقبل باب الرحمن ويخرّ ساجدا ، فيمكث ما شاء الله ، فيقول الله : ارفع رأسك واشفع تشفّع وسل تعط ، وذلك قوله تعالى : ﴿عَسى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقاماً مَحْمُوداً﴾(١).
وبهذا المعنى روايات كثيرة ، وادّعى بعض العامة إجماع المفسرين عليه ، وادّعى الفخر الرازي اتّفاق الناس عليه (٢) .
وقيل : إنّه مقام القرب من الله ، عن حذيفة : يجمع الناس في صعيد واحد ، فلا تتكلّم نفس ، فأوّل مدعوّ محمد صلىاللهعليهوآله ، فيقول : « لبيك وسعديك ، والشرّ ليس إليك ، والمهدي من هديت ، وعبدك بين يديك ، وبك وإليك ، لا ملجأ ولا منجى منك إلّا إليك ، تباركت وتعاليت سبحانك ربّ البيت » . فهذا هو المراد من قوله : ﴿عَسى أَنْ يَبْعَثَكَ﴾ إلى آخره (٣) .
وعن أمير المؤمنين عليهالسلام في حديث يذكر أهل المحشر : « ثمّ يجتمعون في موطن آخر يكون فيه مقام محمّد ، وهو المقام المحمود ، فيثني على الله بما لم يثن عليه أحد من قبله ، ثمّ يثني على كلّ مؤمن ومؤمنة ، يبدأ بالصديقين والشهداء ثمّ الصالحين ، فيحمده أهل السماوات والأرض ، فذلك قوله عزوجل : ﴿عَسى أَنْ يَبْعَثَكَ﴾ إلى آخره ، فطوبى لمن كان له في ذلك اليوم (٤) حظّ ونصيب ، وويل لمن لم يكن له في ذلك اليوم حظّ و[ لا ] نصيب » (٥) .
أقول : لا منافاة بين الروايات ، فانّ مقام القرب والمقام الذي يحمده جميع الخلق هو مقام الشفاعة ، كما يشعر به قوله : « طوبى لمن كان له » إلى آخره.
﴿وَقُلْ رَبِّ أَدْخِلْنِي مُدْخَلَ صِدْقٍ وَأَخْرِجْنِي مُخْرَجَ صِدْقٍ وَاجْعَلْ لِي مِنْ
لَدُنْكَ سُلْطاناً نَصِيراً (٨٠)﴾
ثمّ أنّه تعالى بعد أمره باقامة الصلاة ، أمره بالتوجّة والتوسّل إليه في حفظه عن التوجه إلى غيره وعن شرّ الأعداء بقوله : ﴿وَقُلْ﴾ حين إرادتك الدخول في الصلاة ﴿رَبِّ أَدْخِلْنِي﴾ فيها ﴿مُدْخَلَ
__________________
(١) تفسير القمي ٢ : ٢٥ ، تفسير الصافي ٣ : ٢١١.
(٢ و٣) تفسير الرازي ٢١ : ٣٢.
(٤) في التوحيد : المقام ، وكذا التي بعدها.
(٥) التوحيد : ٢٦١ / ٥ ، تفسير الصافي ٣ : ٢١١.