النوافل بالليل فاقضه في [ نهارك ، وما فاتك من النهار فاقضه في ] ليلك (١) .
وعن الصادق عليهالسلام : « كلّ ما فاتك بالليل فاقضه بالنهار ، قال الله تبارك وتعالى » وتلا هذه الآية. ثمّ قال : « يعني أن يقضي الرجل ما فاته بالليل » (٢) .
وقيل : يعني جعلهما مختلفين بالسواد والبياض والطول والقصر (٣) ، كلّ هذه النّعم العظام نافع أو مخلوق ﴿لِمَنْ أَرادَ أَنْ يَذَّكَّرَ﴾ ويتفكّر فيها ، فيستدلّ بها على عظمة خالقها وكمال قدرته ولطفه ﴿أَوْ أَرادَ شُكُوراً﴾ لمنعمه والقيام بحقّ نعمته بالجدّ في الطاعة ، والجهد في العبادة.
وقيل : إنّ المعنى جعل الليل والنهار ليكونا وقتين للمتذكّرين والشاكرين ، فمن فاته في أحدهما شيء من العبادة قام به في الآخر (٤) .
﴿وَعِبادُ الرَّحْمنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْناً وَإِذا خاطَبَهُمُ الْجاهِلُونَ
قالُوا سَلاماً * وَالَّذِينَ يَبِيتُونَ لِرَبِّهِمْ سُجَّداً وَقِياماً (٦٣) و (٦٤)﴾
ثمّ أنّه تعالى بعد ذمّ المشركين وعبّاد الشياطين بالامتناع عن السجود للرحمن والخضوع له ، مدح عباده بالخضوع والتواضع والسجود له والتضرّع إليه والاقتصاد في المعيشة بقوله : ﴿وَعِبادُ الرَّحْمنِ﴾ هم ﴿الَّذِينَ يَمْشُونَ﴾ بين الناس ﴿عَلَى﴾ وجه ﴿الْأَرْضِ﴾ في النهار حال كونهم ﴿هَوْناً﴾ ومتذلّلين متواضعين ليّنين ، لا يضربون بأقدامهم أشرا ولا بطرا ، ولا يتجبّرون ، ولا يتبخترون ، لعلمهم بعظمة ربهم وهيبته ، وشهودهم كبرياءه وجلاله ، فخشعت لذلك أرواحهم ، وخضعت نفوسهم وجوارحهم.
وفي الحديث : « المؤمنون هيّنون ليّنون ، كالجمل الانف إن قيد انقاد ، وإن استنيخ (٥) على صخرة استناخ » (٦) .
وعن الصادق عليهالسلام : « هو الرجل يمشي بسجيّته التي جبل عليها لا يتكلّف ولا يتبختر » (٧) .
والقمي ، عن الباقر عليهالسلام ، أنّه قال في هذه الآية : « الأئمّة يمشون على الأرض هونا خوفا من عدوّهم » (٨) .
__________________
(١) تفسير الرازي ٢٤ : ١٠٦.
(٢) من لا يحضره الفقيه ١ : ٣١٥ / ١٤٢٨ ، تفسير الصافي ٤ : ٢٢.
(٣) تفسير الرازي ٢٤ : ١٠٦.
(٤) تفسير الرازي ٢٤ : ١٠٧.
(٥) في تفسير روح البيان : انيخ.
(٦) تفسير روح البيان ٦ : ٢٤٠.
(٧) مجمع البيان ٧ : ٢٧٩ ، تفسير الصافي ٤ : ٢٣.
(٨) تفسير القمي ٢ : ١١٦ ، تفسير الصافي ٤ : ٢٣.