الله ولا فخر ، وأنا أوّل من يحرّك حلقة الجنّة فيفتح الله لي فأدخلها ومعي فقراء المهاجرين [ ولا فخر]»(١).
﴿قُلِ ادْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُمْ مِنْ دُونِهِ فَلا يَمْلِكُونَ كَشْفَ الضُّرِّ عَنْكُمْ وَلا
تَحْوِيلاً (٥٦)﴾
ثمّ أنّه تعالى بعد إبطال مذهب عبدة الأصنام وقولهم بانكار المعاد ، أمر نبيّه صلىاللهعليهوآله بردّ قول عبدة الملائكة والجنّ والمسيح والعزير بقوله : ﴿قُلِ﴾ يا محمّد ، للذين يعبدون الملائكة والجنّ والمسيح والعزير ﴿ادْعُوا﴾ أيّها المشركون ﴿الَّذِينَ زَعَمْتُمْ﴾ وتخيّلتم بأهوائكم أنّهم آلهتكم ﴿مِنْ دُونِهِ﴾ تعالى وممّا سواه لحوائجكم ، فانّ المعبود لابّد أن يكون قادرا على إزالة الضرر من عابديه ، وإيصال النفع إليهم ، وأما آلهتكم ﴿فَلا يَمْلِكُونَ كَشْفَ الضُّرِّ﴾ من المرض والفقر وغيرهما ، ولا يقدرون على إزالته ﴿عَنْكُمْ﴾ بوجه من الوجوه ﴿وَلا تَحْوِيلاً﴾ ونقلا له منكم إلى غيركم.
قيل : إنّها نزلت في الذين كانوا يعبدون الملائكة (٢) . وقيل : في الذين عبدوا المسيح (٣) . وقيل : في الذين عبدوا نفرا من الجّن ، فأسلم النفر ، وبقي اولئك متمسّكين بعبادتهم (٤) .
﴿أُولئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ وَيَرْجُونَ رَحْمَتَهُ
وَيَخافُونَ عَذابَهُ إِنَّ عَذابَ رَبِّكَ كانَ مَحْذُوراً (٥٧)﴾
ثمّ بيّن سبحانه عجز آلهتهم واحتياجهم إلى الله بقوله : ﴿أُولئِكَ﴾ الآلهة ﴿الَّذِينَ يَدْعُونَ﴾ هم ﴿يَبْتَغُونَ﴾ ويطلبون ﴿إِلى رَبِّهِمُ﴾ ومالك أمورهم ﴿الْوَسِيلَةَ﴾ والقربة بالطاعة والعبادة له ﴿أَيُّهُمْ﴾ وكلّ واحد منهم فرض أنّه ﴿أَقْرَبُ﴾ إليه تعالى بكون (٥) شغله ذلك الابتغاء والطلب ﴿وَ﴾ هم ﴿يَرْجُونَ﴾ ويأملون ﴿رَحْمَتَهُ﴾ تعالى بالوسيلة ﴿وَيَخافُونَ عَذابَهُ﴾ بتركها كدأب سائر العباد ، فكيف بمن دونهم ؟ فأين هم من كشف الضرّ فضلا عن الالوهية ﴿إِنَّ عَذابَ رَبِّكَ كانَ مَحْذُوراً﴾ وحقيقا بأن يحترز منه كلّ أحد حتى الرسل والملائكة ، وإن لم يحذره المشركون لغاية غفلتهم وانهماكهم في الشهوات ، وإنّما استدلّ سبحانه بعجز الملائكة وغيرهم ممّن ادّعوا ألوهيتهم عن كشف الضرّ وبابتغائهم الوسيلة لتسليم المشركين كونهم عبادا لله مخلوقين بقدرته مربوبين بتربيته.
﴿وَإِنْ مِنْ قَرْيَةٍ إِلاَّ نَحْنُ مُهْلِكُوها قَبْلَ يَوْمِ الْقِيامَةِ أَوْ مُعَذِّبُوها عَذاباً شَدِيداً كانَ
__________________
(١) تفسير روح البيان ٥ : ١٧٤.
(٢) تفسير الرازي ٢٠ : ٢٣١.
(٣ و٤) تفسير الرازي ٢٠ : ٢٣١.
(٥) في النسخة : يكون.