وتبعيه هارون له ، ثمّ بيّن ما أرسل به بقوله : ﴿أَنْ أَرْسِلْ مَعَنا بَنِي إِسْرائِيلَ﴾ وأطلقهم من قيد الأسر والعبودية للقبط ، لأذهب بهم إلى أرض الشام ، التي هي مسكن آبائهم.
قيل : كان فرعون استعبدهم أربعمائة سنة ، فانطلق موسى إلى مصر ، وكان هارون بها ، فلمّا تلاقيا ذهبا إلى باب فرعون ليلا ، ودقّ موسى الباب بعصاه ، ففزع البوابون وقالوا : من بالباب ؟ فقال موسى عليهالسلام : أنا رسول رب العالمين ، فذهب البوّاب إلى فرعون فقال : إن مجنونا بالباب يزعم أنه رسول ربّ العالمين ، فأذن له في الدخول من ساعته (١) .
وقيل : ترك حتى أصبح فدعاهما (٢) .
وقيل : لم ياذن لهما سنة حتى قال البواب : هاهنا إنسان يزعم أنّه رسول رب العالمين. فقال : إئذن له حتى نضحك منه ، فدخلا عليه ، وأدّيا الرسالة ، فعرف موسى (٣) لأنّه نشأ في بيته فشتمه و
﴿قالَ أَ لَمْ نُرَبِّكَ﴾ يا موسى ﴿فِينا﴾ وفي حجرنا ونعمنا حال كونك ﴿وَلِيداً﴾ وصبيا رضيعا قريب الولادة ﴿وَلَبِثْتَ﴾ وأقمت ﴿فِينا مِنْ عُمُرِكَ سِنِينَ﴾ كثيرة. قيل : كان فيهم (٤) ثلاثين سنة (٥)
﴿وَفَعَلْتَ﴾ أخيرا ﴿فَعْلَتَكَ﴾ القبيحة ﴿الَّتِي فَعَلْتَ﴾ من قتل القبطي ﴿وَأَنْتَ﴾ صرت بفعلتك ﴿مِنَ الْكافِرِينَ﴾ لنعمتي الجاحدين لحقّ تربيتي حيث عمدت إلى قتل رجل من خواصّي
﴿قالَ﴾ موسى : نعم ، تلك الفعلة التي تقول ﴿فَعَلْتُها إِذاً﴾ وحين فعلت ﴿وَأَنَا﴾ كنت ﴿مِنَ الضَّالِّينَ﴾ والخاطئين فيها ، لا من المتعمّدين ، فليس لك أن تلمني وتؤاخذني بها ، وتعدّ فعلي من كفران نعمتك ، لأن السهو والخطأ عذران عند العقلاء لا يوجبان العتاب والمؤاخذة ، ومع ذلك بلغني أنّكم شاورتم في قتلي ﴿فَفَرَرْتُ مِنْكُمْ﴾ وذهبت من بلدكم إلى مدين ﴿لَمَّا خِفْتُكُمْ﴾ من أن تقتلوني ظلما وتؤاخذوني بما لا أستحقّه ﴿فَوَهَبَ لِي رَبِّي﴾ حين رجوعي من مدين إلى مصر ﴿حُكْماً﴾ وعقلا كاملا ، ورأيا رزينا ، وعلما بتوحيده وكمال صفاته ﴿وَجَعَلَنِي مِنَ الْمُرْسَلِينَ﴾ الذين اصطفاهم على عباده.
وقيل : إنّ المراد من الحكم النبوة ، والمعنى جعلني أولا نبيا ، ثمّ أعطاني منصب الرسالة (٦) .
﴿وَتِلْكَ نِعْمَةٌ تَمُنُّها عَلَيَّ أَنْ عَبَّدْتَ بَنِي إِسْرائِيلَ * قالَ فِرْعَوْنُ وَما رَبُّ
الْعالَمِينَ * قالَ رَبُّ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَما بَيْنَهُمَا إِنْ كُنْتُمْ مُوقِنِينَ * قالَ
__________________
( ١-٣ ) تفسير روح البيان ٦ : ٢٦٧.
(٤) في تفسير الرازي : لبث عندهم ، وفي تفسيري أبي السعود وروح البيان : لبث فيهم.
(٥) تفسير الرازي ٢٤ : ١٢٥ ، تفسير أبي السعود ٦ : ٢٣٨ ، تفسير روح البيان ٦ : ٢٣٨.
(٦) تفسير روح البيان ٦ : ٢٦٨.