على الله والدار الآخرة والقيام بالعدل والانصاف ، وقصر الأمل فانّه النافع لكم.
ثمّ حثّهم على التقوى بتذكيرهم نعم ربّهم الموجب لإيقاظهم من سنة الغفلة ، ورغبتهم إلى الايمان وقيامهم بالشكر بقوله : ﴿وَاتَّقُوا﴾ الله ﴿الَّذِي أَمَدَّكُمْ﴾ وقوّاكم ﴿بِما تَعْلَمُونَ﴾ به من أنواع نعمه منها أنّه ﴿أَمَدَّكُمْ﴾ وأعانكم ونظم امور معاشكم ﴿بِأَنْعامٍ﴾ كثيرة من الإبل والبقر والغنم لتستفيدوا منها ﴿وَبَنِينَ﴾ عديدة لتستعينوا بهم في الحوائج ﴿وَجَنَّاتٍ﴾ وبساتين ﴿وَعُيُونٍ﴾ غزيرة الماء تشربون منها ، وتسقون بها أنعامكم وزروعكم وبساتينكم.
ثمّ هددهم على بقائهم على الكفر والعصيان مع إظهار الشّفقة عليهم بقوله : ﴿إِنِّي أَخافُ عَلَيْكُمْ﴾ إن تدوموا (١) على الكفر وكفران النعم من أن ينزل الله عليكم ﴿عَذابَ﴾ الاستئصال في ﴿يَوْمٍ﴾ ذي هول ﴿عَظِيمٍ﴾ في الدنيا والآخرة لعظم ما يحلّ فيه.
﴿قالُوا سَواءٌ عَلَيْنا أَ وَعَظْتَ أَمْ لَمْ تَكُنْ مِنَ الْواعِظِينَ * إِنْ هذا إِلاَّ خُلُقُ
الْأَوَّلِينَ * وَما نَحْنُ بِمُعَذَّبِينَ (١٣٦) و (١٣٨)﴾
ثمّ أنّ القوم بعد إبلاغ هود عليهالسلام في نصحهم ووعظهم ﴿قالُوا﴾ في جوابه طغيانا وعتوا : يا هود ﴿سَواءٌ عَلَيْنا﴾ ولا يتفاوت في نظرنا ﴿أَ وَعَظْتَ﴾ ونصحتنا ﴿أَمْ﴾ سكتّ و﴿لَمْ تَكُنْ مِنَ الْواعِظِينَ﴾ والناصحين ، فانّا لن نكترث بكلامك ، ولن نعتن بقولك ، ولن ننصرف عمّا نحن عليه بدعواك ﴿إِنْ هذا﴾ الدعوى الذي تدّعي من الرسالة والتوحيد والتحذير من الشرك ﴿إِلَّا خُلُقُ﴾ جماعة من ﴿الْأَوَّلِينَ﴾ ودأب عدّة من السابقين ، أو المراد ما هذا الذي نحن عليه من العقائد والأعمال إلّا عادة الأقوام السابقين والامم الماضين ، فانّهم كانوا على ديننا وملتزمين بأعمالنا ، ونحن مقتدون بهم ، أو ما هذا الذي نحن عليه من الحياة والموت إلّا عادة الناس من قديم الدهر جارية فينا نحيا كحياتهم ، ونموت كموتهم ، لا بعث ولا حساب ﴿وَما نَحْنُ بِمُعَذَّبِينَ﴾ على عقائدنا وأعمالنا ، لا في الدنيا لعدم المقتضي للعذاب ، ولا في الآخرة لعدم عالم آخر وراء هذا العالم.
﴿فَكَذَّبُوهُ فَأَهْلَكْناهُمْ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً وَما كانَ أَكْثَرُهُمْ مُؤْمِنِينَ * وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ
الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ * كَذَّبَتْ ثَمُودُ الْمُرْسَلِينَ * إِذْ قالَ لَهُمْ أَخُوهُمْ صالِحٌ أَ لا
تَتَّقُونَ * إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ * فَاتَّقُوا اللهَ وَأَطِيعُونِ * وَما أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ
__________________
(١) في النسخة : تديموا.