عليه ﴿وَإِنَّ هذِهِ﴾ الملّة التي هي ملّة الإسلام والتّوحيد ﴿أُمَّتُكُمْ﴾ وملّتكم حال كونها ﴿أُمَّةً﴾ وملّة ﴿واحِدَةً﴾ وشريعة متّحدة في الاصول وإن اختلفت في الفروع.
وقيل : كلمة ( هذه ) إشارة إلى جماعة الامم المؤمنة بالرّسل ، والمعنى : إنّ هذه الجماعة المتّفقة على الإيمان بالتّوحيد والرّسل المتّحدة في عبادة الله امّتكم (١)﴿وَأَنَا﴾ وحدي ﴿رَبُّكُمْ﴾ لا شريك لي في الالوهيّة والرّبوبيّة ، إذا ﴿فَاتَّقُونِ﴾ أيّها الرّسل والامم جميعا في اختلاف الكلمة في التّوحيد والدّين ﴿فَتَقَطَّعُوا أَمْرَهُمْ﴾ ودينهم ﴿بَيْنَهُمْ زُبُراً﴾ وقطعا ، وقد مرّ تفسيره في سورة الأنبياء (٢)﴿كُلُّ حِزْبٍ﴾ وفرقة من الفرق ﴿بِما لَدَيْهِمْ﴾ واختاروه من الدّين ﴿فَرِحُونَ﴾ ومعجبون ، لاعتقادهم حقّانيّته ﴿فَذَرْهُمْ﴾ ودعهم يا محمّد ﴿فِي غَمْرَتِهِمْ﴾ وجهالتهم الّتي أحاطت بهم كالماء الذي ارتمسوا فيه ، ولا تشغل قلبك بهم وبتفرّقهم ﴿حَتَّى حِينٍ﴾ موتهم على الكفر ، أو قتلهم ، أو نزول العذاب عليهم ، وفيه وعيد لهم وتسلية للرّسول ، وفي تنكير ﴿حِينٍ﴾ وإبهام الوقت نهاية التّهويل.
﴿أَ يَحْسَبُونَ أَنَّما نُمِدُّهُمْ بِهِ مِنْ مالٍ وَبَنِينَ * نُسارِعُ لَهُمْ فِي الْخَيْراتِ بَلْ لا
يَشْعُرُونَ (٥٥) و (٥٦)﴾
ثمّ لمّا كان الكفّار يفتخرون على المؤمنين بكثرة المال والبنين ، ويحسبون أنّ تنعّمهم بتلك النّعم لقربهم عند الله والتزامهم بدين الحقّ ، أنكر سبحانه عليهم ذلك الحسبان بقوله : ﴿أَ يَحْسَبُونَ﴾ ويتوهّمون ﴿أَنَّما نُمِدُّهُمْ﴾ ونقوّيهم ﴿بِهِ مِنْ مالٍ﴾ عظيم ﴿وَبَنِينَ﴾ كثيرة أنّا ﴿نُسارِعُ﴾ ونعجّل ﴿لَهُمْ﴾ بهذا الإمداد ﴿فِي الْخَيْراتِ﴾ والمثوبات والأجر على تديّنهم بدين الحقّ وعملهم به ؟ ! ليس الأمر كما يحسبون ﴿بَلْ﴾ هذا الحسبان لأنّهم ﴿لا يَشْعُرُونَ﴾ أنّ هذا الإمداد استدراج واستجرار بهم إلى الشّرّ وزيادة الإثم ، لا مسارعة لهم إلى الخير.
روي أنّ الله تعالى أوحى إلى نبيّ من الأنبياء : أيفرح عبدي أن أبسط له في الدّنيا وهو أبعد له منّي ؟ ! أيجزع عبدي أن أقبض عنه الدّنيا وهو أقرب له منّي ؟ ! ثمّ قال : ﴿أَ يَحْسَبُونَ أَنَّما نُمِدُّهُمْ﴾ إلى آخره(٣) .
وعن الصادق عليهالسلام عن أبيه ، قال : « قال رسول الله صلىاللهعليهوآله : [ إنّ الله تعالى ] يقول : يحزن عبدي المؤمن إذا أقترت عليه شيئا من الدّنيا ، وذلك أقرب له منّي ، ويفرح إذا بسطت له الدّنيا ، وذلك أبعد له منّي ، ثمّ تلا هذه الآية ، ثمّ قال : إنّ ذلك فتنة لهم » (٤) .
__________________
(١) تفسير أبي السعود ٦ : ١٣٨.
(٢) في تفسير الآية ٩٣.
(٣) تفسير روح البيان ٦ : ٩٠.
(٤) مجمع البيان ٧ : ١٧٥ ، تفسير الصافي ٣ : ٤٠٣.