﴿وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَداةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلا
تَعْدُ عَيْناكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَياةِ الدُّنْيا وَلا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنا
وَاتَّبَعَ هَواهُ وَكانَ أَمْرُهُ فُرُطاً (٢٨)﴾
ثمّ لمّا كان من أباطيل الكفّار وترّهاتهم التماسهم من النبيّ صلىاللهعليهوآله طرد المؤمنين الخلّصين من مجلسه ، أمره سبحانه بمجالستهم وصحبتهم وعدم الاعتناء بقول أعدائهم بقوله : ﴿وَاصْبِرْ نَفْسَكَ﴾ واحبسها على المجالسة والمصاحبة ﴿مَعَ﴾ المؤمنين ﴿الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ﴾ ويتضرّعون إليه ﴿بِالْغَداةِ وَالْعَشِيِ﴾ وأوّل النهار وآخره لطلب التوفيق والتيسير والعفو عن التقصير.
وقيل : والغداة والعشيّ كناية عن جميع الأوقات والمداومة على العبادة (١) . وقيل : إنّ المراد بالدعاء في الغداة صلاة الصبح ، وبالدعاء بالعشيّ صلاة العصر (٢) . وعنهما عليهماالسلام : « إنّما عنى بهما الصلاة » (٣) .
حال كونهم ﴿يُرِيدُونَ﴾ بدعائهم أو صلاتهم ﴿وَجْهَهُ﴾ تعالى ورضاه ﴿وَلا تَعْدُ﴾ ولا تجاوز ﴿عَيْناكَ عَنْهُمْ﴾ إلى غيرهم من أهل الدنيا وطالبي زخارفها حال كونك ﴿تُرِيدُ﴾ من النظر إلى غيرهم من المترفين والمجالسة معهم ﴿زِينَةَ الْحَياةِ الدُّنْيا﴾ وحطامها ﴿وَلا تُطِعْ﴾ في طرد الفقراء عن مجلسك ﴿مَنْ أَغْفَلْنا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنا﴾ بالخذلان والطّبع ﴿وَاتَّبَعَ هَواهُ﴾ وأطاع تسويلات نفسه وانهمك في شهواته ﴿وَكانَ أَمْرُهُ﴾ وفعله أو شأنه ﴿فُرُطاً﴾ وظلما على النفس وتجاوزا عن الحدّ ونبذا للحقّ.
روي أنّ رؤساء الكفّار طلبوا من النبيّ صلىاللهعليهوآله طرد فقراء المسلمين من مجلسه ، كعمّار ، وصهيب ، وخبّاب وغيرهم ، وقالوا : اطرد هؤلاء الذين ريحهم ريح الصّنان حتى نجالسك ، فإن أسلمنا أسلم النّاس ، وما يمنعنا من اتّباعك إلّا هؤلاء ، فإنّهم قوم أرذلون (٤) .
القمي : نزلت في سلمان الفارسي ، كان عليه كساء من صوف ، فدخل عيينة بن حصين على النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلمان عنده ، فتأذّى عيينة بريح كساء سلمان ، وكان عرق فيه ، وكان يوم شديد الحرّ ، فعرق في الكساء ، فقال : يا رسول الله ، إذا نحن دخلنا عليك فاخرج هذا وأضرابه من عندك ، فإذا نحن خرجنا فادخل من شئت ، فأنزل الله ﴿وَلا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنا﴾ الآية. وهو عيينة بن حصين بن حذيفة بن بدر الفزاري (٥) .
وعن ( المجمع ) : نزلت في سلمان وأبي ذرّ وصهيب وخبّاب وغيرهم من فقراء أصحاب
__________________
(١ و٢) تفسير الرازي ٢١ : ١١٥.
(٣) تفسير العياشي ٣ : ٩٣ / ٢٦٤٩ ، تفسير الصافي ٣ : ٢٤٠.
(٤) تفسير روح البيان ٥ : ٢٣٨.
(٥) تفسير القمي ٢ : ٣٤ ، تفسير الصافي ٣ : ٢٤٠.