وقيل : إنّ المراد كلّ دابّة متولّدة من ماء خلقها الله (١) .
وقيل : إنّ المراد كلّ دابة سكنت الأرض ، فإنّ غالبها مخلوقة من النّطفة ، والحكم على الغالب ، أو على الكلّ ، لأنّ الماء أحد عناصر الكلّ (٢) .
﴿فَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلى بَطْنِهِ﴾ لعدم آلة المشي له كالحيّة ، وإنّما قدّم ذكره لكونه أعجب ﴿وَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلى رِجْلَيْنِ﴾ كالانسان والطير ﴿وَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلى أَرْبَعٍ﴾ قوائم كالنّعم والوحش ، أو أربع جهات كالعناكب والعقارب وغيرها ممّا يمشي على أكثر من أربع قوائم.
وقيل : إنّه تعالى نبّه على سائر أقسام الحيوانات بقوله : ﴿يَخْلُقُ اللهُ ما يَشاءُ﴾ ممّا ذكر وممّا لم يذكر (٣) .
وقيل : عدم ذكرها لعدم الاعتداد بها ، وإنّما أتى سبحانه بضمير جمع العقلاء لتغليبهم ، وأتى بالموصول الذي للعقلاء ليوافق التفصيل الإجمال (٤) .
ثمّ قرّر سبحانه كمال قدرته بقوله : ﴿إِنَّ اللهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ﴾ فيفعل ما يشاء كما يشاء.
﴿لَقَدْ أَنْزَلْنا آياتٍ مُبَيِّناتٍ وَاللهُ يَهْدِي مَنْ يَشاءُ إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ * وَيَقُولُونَ
آمَنَّا بِاللهِ وَبِالرَّسُولِ وَأَطَعْنا ثُمَّ يَتَوَلَّى فَرِيقٌ مِنْهُمْ مِنْ بَعْدِ ذلِكَ وَما أُولئِكَ
بِالْمُؤْمِنِينَ (٤٦) و (٤٧)﴾
ثمّ نبّه سبحانه على تمامية الحجّة على توحيده وكمال صفاته بقوله : ﴿لَقَدْ أَنْزَلْنا آياتٍ مُبَيِّناتٍ﴾ وموضحات لجميع ما يحتاج إليه البشر من دلائل التوحيد وكمال الصفات والأحكام الدينية والأسرار التكوينية ﴿وَاللهُ﴾ بالتوفيق للنظر والتفكّر فيها ﴿يَهْدِي مَنْ يَشاءُ﴾ هدايته ﴿إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ﴾ والدين القويم المرضي عنده الموصل إلى كلّ خير في الدنيا وإلى كلّ نعمة في الآخرة ، وهو الاسلام.
ثمّ أنّه تعالى بعد التنبيه بنزول الآيات المتمّمة للحجة على التوحيد والرسالة وصحّة دين الاسلام ، ذمّ المنافقين المصرّين على الكفر بقوله : ﴿وَيَقُولُونَ﴾ هؤلاء المنافقون كذبا ونفاقا ﴿آمَنَّا بِاللهِ﴾ ووحدانيته ﴿وَبِالرَّسُولِ﴾ عن صميم القلب ﴿وَأَطَعْنا﴾ أحكامهما ، وامتثلنا أوامرهما ونواهيهما بإخلاص النيّة ﴿ثُمَّ يَتَوَلَّى﴾ ويعرض عن قبول حكمه ﴿فَرِيقٌ﴾ وطائفة ﴿مِنْهُمْ﴾ عنادا للحقّ ﴿مِنْ بَعْدِ ذلِكَ﴾ القول النفاقي من إظهار الايمان والطاعة ﴿وَ﴾ الحال أنه ﴿ما أُولئِكَ﴾ الذين يدّعون
__________________
(١و٢) تفسير الرازي ٢٤ : ١٦.
(٣) تفسير روح البيان ٦ : ١٦٨.
(٤) تفسير أبي السعود ٦ : ١٨٥.