﴿أُوْلئِكَ شَرٌّ مَكاناً﴾ وأسوء مقاما ﴿وَأَضَلُّ سَبِيلاً﴾ أخطأ طريقا من كلّ أحد ، لأنّ طريقهم مود إلى الهلاك الأبد والعذاب المخلّد.
﴿وَلَقَدْ آتَيْنا مُوسَى الْكِتابَ وَجَعَلْنا مَعَهُ أَخاهُ هارُونَ وَزِيراً * فَقُلْنَا اذْهَبا إِلَى
الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا فَدَمَّرْناهُمْ تَدْمِيراً * وَقَوْمَ نُوحٍ لَمَّا كَذَّبُوا الرُّسُلَ
أَغْرَقْناهُمْ وَجَعَلْناهُمْ لِلنَّاسِ آيَةً وَأَعْتَدْنا لِلظَّالِمِينَ عَذاباً أَلِيماً * وَعاداً
وَثَمُودَ وَأَصْحابَ الرَّسِّ وَقُرُوناً بَيْنَ ذلِكَ كَثِيراً * وَكُلاًّ ضَرَبْنا لَهُ الْأَمْثالَ وَكُلاًّ
تَبَّرْنا تَتْبِيراً (٣٥) و (٣٩)﴾
ثمّ لمّا أخبر سبحانه بأنّه جعل لكلّ نبي عدوا ، ذكر جماعة من الأنبياء الذين ابتلوا بالأعداء فأهلكهم الله بعداوتهم لهم ، فابتدأ بذكر موسى عليهالسلام بقوله : ﴿وَلَقَدْ آتَيْنا﴾ وأعطينا ﴿مُوسَى الْكِتابَ﴾ كما أعطيناك القرآن ﴿وَجَعَلْنا مَعَهُ أَخاهُ﴾ النبي الذي كان اسمه ﴿هارُونَ وَزِيراً﴾ ومعينا يعاونه في الدعوة وتحمّل أعباء الرسالة ، كما جعلنا معك أخاك الحسبي عليا وزيرا وخليفة يعاونك في إعلاء كلمة التوحيد ، وترويج دينك في حياتك ، وحفظ شريعتك بعد وفاتك ﴿فَقُلْنَا﴾ لهما بعد تشريفهما بمنصب الرسالة : ﴿اذْهَبا﴾ بالرسالة من قبلي ﴿إِلَى الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا﴾ الدالة على توحيدي وكمال صفاتي ، والمعجزات الباهرات التي أجريناها بيدكما تصديقا لرسالتكما ، وهم فرعون وقومه من القبط ، فذهبا إليهم وأرياهم أياتنا فكذبوهما وعادوهما ﴿فَدَمَّرْناهُمْ﴾ وأهلكناهم بالعذاب المستأصل بعد التكذيب ﴿تَدْمِيراً﴾ وإهلاكا عجيبا هائلا ، وهو الغرق في بحر القلزم ، ﴿وَ﴾ دمّرنا ﴿قَوْمَ نُوحٍ لَمَّا﴾ عادوه وكذّبوه و﴿كَذَّبُوا الرُّسُلَ﴾ الذين قبله ، أو الذين قبله وبعده بتكذيبه ، لاستلزام تكذيبه تكذيب الكلّ ، وكان تدميرهم أنّه ﴿أَغْرَقْناهُمْ﴾ بالطوفان ﴿وَجَعَلْناهُمْ لِلنَّاسِ﴾ إلى يوم القيامة ﴿آيَةً﴾ عظيمة على توحيدنا وكمال قدرتنا ، وعظة ظاهرة يعتبر بها كلّ من شاهدها أو سمع قصّتها ﴿وَأَعْتَدْنا لِلظَّالِمِينَ﴾ المغرقين بظلمهم ، أو لكلّ من سلك سبيلهم ﴿عَذاباً أَلِيماً﴾ في الآخرة ، ﴿وَ﴾ دمّرنا ﴿عاداً﴾ بتكذيبهم هودا ﴿وَثَمُودَ﴾ بتكذيبهم صالحا ﴿وَأَصْحابَ الرَّسِ﴾ بتكذيبهم شعيبا على ما قيل من أنهم كانوا عبدة أصنام وأصحاب آبار ومواش فبعث الله إليهم شعيبا ، فدعاهم إلى الاسلام ، فتمادوا في الطغيان و[ في ] إيذائه ، فبينما هم حول الرّس خسف الله بهم وبدارهم (١) .
وقيل : إنّهم بقية ثمود ، سكنوا الرّس ، وهي قرية بفلج اليمامة ، قتلوا نبيّهم فهلكوا (٢) .
__________________
(١) تفسير الرازي ٢٤ : ٨٢.
(٢) تفسير الرازي ٢٤ : ٨٢.