الدنيا وما فيها ، وذلك لأهل الايمان والتوحيد.
وعن الصادق عليهالسلام : « وإذا مرضت بالعصيان فهو يشفيني بالتوبة » (١) .
﴿وَالَّذِي يُمِيتُنِي﴾ ويقبض روحي بقدرته وحكمته ﴿ثُمَّ يُحْيِينِ﴾ للحساب وجزاء الأعمال وقيل : يعني يميتني بالخذلان أو الجهل ، ثمّ يحييني بالتوفيق للطاعة ، أو بالعقل والعلم (٢)
﴿وَالَّذِي أَطْمَعُ﴾ وأرجو ﴿أَنْ يَغْفِرَ لِي خَطِيئَتِي﴾ وزّلاتي ﴿يَوْمَ الدِّينِ﴾ والجزاء وعند الحساب ، وفي التعبير عن يقينه بالطمع تأدبّ وتعليم للعباد ، كما أنّ التعبير عما يصدر منه من ترك الأولى بالخطيئة هضم للنفس ، وحثّ للعباد على الحذر من المعاصي وطلب المغفرة.
وقيل : إنّ المراد خطايا امّته ، أو امّة محمد صلىاللهعليهوآله وإنّما علّق المغفرة بيوم الدين لظهور فائدتها فيه(٣).
﴿رَبِّ هَبْ لِي حُكْماً وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ * وَاجْعَلْ لِي لِسانَ صِدْقٍ فِي
الْآخِرِينَ (٨٣) و (٨٤)﴾
ثمّ أنّه عليهالسلام بعد احتجاجه على قومه بتوصيف المستحق للعبادة بأوصاف فائقة مستلزمة للمعبودية بحيث لا يكون الفاقد لواحد منها قابلا (٤) لها ، سأل لنفسه أهمّ المطالب بقوله : ﴿رَبِّ هَبْ لِي﴾ وأعطني بكرمك ﴿حُكْماً﴾ وعلما كاملا أستحقّ به خلافتك ورياسة خلقك ، كما عن ابن عباس (٥) ، وهو المعرفة بحقائق الأشياء ورؤيتها كما هي. وقيل : إنّ الحكم قوة بيان كلّ ما يحتاج إليه الناس على مقتضى الحكمة (٦)﴿وَأَلْحِقْنِي﴾ بتوفيقك للعمل بمرضاتك ﴿بِالصَّالِحِينَ﴾ والكاملين في الأخلاق والأعمال والمنزّهين عن النقائص الحيوانية والشهوات النفسانية ، واجعلني في زمرتهم ، أو أجمع بيني وبينهم في الجنّة ﴿وَاجْعَلْ لِي لِسانَ صِدْقٍ﴾ وحسن ذكر وجاه عظيم باق ﴿فِي الْآخِرِينَ﴾ وبين الناس إلى يوم الدين.
قيل : إنّه عليهالسلام ابتدأ في دعائه بطلب الكمال الذاتي وهو العلم ، ثمّ بالكمال الأخلاقي وهو الصلاح ، ثمّ بالكمال الدنيوي الرّوحاني وهو الجاه والذكر الجميل الباقي إلى آخر الدهر (٧) . وعلّة طلبه أنّ النفوس البشرية إذا انصرفت هممهم إلى شخص واحد بالمدح والثناء ، أثّرت في ذلك الشخص كمالا زائدا على ما يكون له ، وإنّ شهرة شخص بين الناس بسبب ماله من الفضائل وجريان مدحه
__________________
(١) تفسير روح البيان ٦ : ٢٨٥.
(٢و٣) تفسير روح البيان ٦ : ٢٨٥.
(٤) يعني مستحقّا.
(٥) تفسير الصافي ٤ : ٤٠ ، تفسير روح البيان ٦ : ٢٨٦ ، ولم ينسبه إلى ابن عباس ، مجمع البيان ٧ : ٣٠٤ ، وفيه : إنه العلم.
(٦) مجمع البيان ٧ : ٣٠٤.
(٧) تفسير الرازي ٢٤ : ١٤٩.