قيل : كانت اللّكنة بخلقة الله تعالى (١) . وقيل : كانت من جمرة أدخلها فاه (٢) .
روي أنّ فرعون حمله يوما ، فأخذ لحيته ونتفها ، لمّا كانت مرصّعة بالجواهر ، فغضب وقال : إنّ هذا عدوّي المطلوب ، وأمر بقتله ، فقالت آسية زوجته : أيّها الملك ، إنّه صبيّ لا يفرّق بين الجمر والياقوت ، فأحضرا بين يدي موسى ، بأن جعل الجمر في طشت والياقوت في آخر ، فقصد إلى أخذ الجوهر ، فأمال جبرئيل يده إلى الجمر ، فرفعه إلى فيه ، فاحترق لسانه ، فكانت منه لكنة وعجمة (٣) .
وعن الباقر عليهالسلام - في رواية - : « ولمّا درج موسى عليهالسلام كان يوما عند فرعون فعطس فقال : الحمد لله ربّ العالمين ، فأنكر فرعون ذلك عليه ولطمه ، وقال : ما هذا الذي تقول ؟ فوثب موسى عليهالسلام على لحيته عليهالسلام وكان طويل اللحية ، فهلبها - أي قلعها - فآلمه ألما شديدا ، فهمّ فرعون بقتله ، فقالت له امرأته : هذا غلام حدث ما يدري ما يقول. فقال فرعون : بل يدري. فقالت له : ضع بين يديك تمرا وجمرا ، فإن ميّز بين الجمر والتّمر فهو الذي تقول ، فوضع بين يديه تمرا وجمرا وقال له : كل ، فمدّ يده إلى التّمر فجاء جبرئيل فصرفها إلى الجمر ، فأخذ الجمر في فيه فاحترق لسانه ، وصاح وبكى.
فقالت آسية : ألم أقل لك أنّه لم يعقل ؟ فعفا عنه » (٤) .
ثمّ أنّ بعض العامة قال : لم يحترق بيده ولا لسانه ، لكون يده آلة أخذ العصا ، ولسانه آلة ذكر الله ، ومنهم من قال : احترقت يده ولم يحترق لسانه ، ومنهم من قال بالعكس ، ومنهم من قال احترقا معا (٥) .
أقول : الأظهر من الروايتين هو القول الثالث.
﴿وَاجْعَلْ لِي وَزِيراً مِنْ أَهْلِي * هارُونَ أَخِي * اشْدُدْ بِهِ أَزْرِي * وَأَشْرِكْهُ فِي
أَمْرِي * كَيْ نُسَبِّحَكَ كَثِيراً (٢٩) * وَنَذْكُرَكَ كَثِيراً * إِنَّكَ كُنْتَ بِنا بَصِيراً * قالَ قَدْ
أُوتِيتَ سُؤْلَكَ يا مُوسى (٢٩) و (٣٦)﴾
ثمّ أنّه تعالى بعد سؤال قوّة قلبه ولسانه ، سأل تقويته في تحمّل أعباء الرسالة بجعل المعين له بقوله : ﴿وَاجْعَلْ لِي وَزِيراً﴾ ومعينا كائنا ﴿مِنْ أَهْلِي﴾ وأقربائي وخواصّي المنتسبين إليّ في تحمّل أعباء الرسالة، ولمّا كان التعاون في أمر دينك درجة عظيمة يكون الأحقّ به ﴿هارُونَ﴾ الذي يكون ﴿أَخِي﴾ من أبي وامّي ﴿اشْدُدْ﴾ واحكم ﴿بِهِ أَزْرِي﴾ وقوّتي على التبليغ ، أو قوّ به ظهري ﴿وَأَشْرِكْهُ فِي أَمْرِي﴾ ومنصبي وشغلي من الرسالة والتبليغ ﴿كَيْ نُسَبِّحَكَ﴾ وننزّهك عمّا لا يليق بك تسبيحا
__________________
(١ و٢) تفسير الرازي ٢٢ : ٤٧.
(٣) تفسير روح البيان ٥ : ٣٧٩.
(٤) تفسير القمي ٢ : ١٣٦ ، تفسير الصافي ٣ : ٣٠٥.
(٥) تفسير الرازي ٢٢ : ٤٧.