الْمُؤْمِنِينَ﴾(١) .
﴿وَزَكَرِيَّا إِذْ نادى رَبَّهُ رَبِّ لا تَذَرْنِي فَرْداً وَأَنْتَ خَيْرُ الْوارِثِينَ * فَاسْتَجَبْنا لَهُ
وَوَهَبْنا لَهُ يَحْيى وَأَصْلَحْنا لَهُ زَوْجَهُ إِنَّهُمْ كانُوا يُسارِعُونَ فِي الْخَيْراتِ
وَيَدْعُونَنا رَغَباً وَرَهَباً وَكانُوا لَنا خاشِعِينَ (٨٩) و (٩٠)﴾
ثمّ ذكر سبحانه نعمته على زكريّا عليهالسلام باستجابة دعائه بقوله : ﴿وَزَكَرِيَّا﴾ بن آزر ﴿إِذْ نادى﴾ ودعا ﴿رَبَّهُ﴾ متضرّعا بقوله : يا ﴿رَبِّ لا تَذَرْنِي﴾ ولا تدعني في الدنيا ﴿فَرْداً﴾ وحيدا بلا ولد يرثني ويرث من آل يعقوب ، وإن فرض أن لا تستجيب دعائي فلا ابالي ، لأنّك أفضل الأولياء ﴿وَأَنْتَ خَيْرُ الْوارِثِينَ﴾ من كلّ أحد بعد موته ، ففيه إظهار غاية الاستسلام والرضا برضاه ، وإيكال أمره إليه تعالى ﴿فَاسْتَجَبْنا لَهُ﴾ دعاءه في حقّ الولد ﴿وَوَهَبْنا لَهُ﴾ من فضلنا ﴿يَحْيى﴾ ولدا ووليّا ووارثا تقرّ به عينه ، ويحيا به ذكره ودينه ﴿وَأَصْلَحْنا لَهُ زَوْجَهُ﴾ وصاحبته إيشاع في الأخلاق والدّين ، فإنّها على ما قيل كانت سيّئة الخلق (٢) ، وفي الولادة فإنّها كانت عقيمة كبيرة السنّ.
ثمّ مدح سبحانه زكريّا عليهالسلام وزوجه وولده ، أو مدح الأنبياء المذكورين في السورة بقوله : ﴿إِنَّهُمْ كانُوا﴾ في مدّة أعمارهم ﴿يُسارِعُونَ فِي﴾ عمل ﴿الْخَيْراتِ﴾ وفعل الطاعات والعبادات الموجبة للمثوبات والدرجات العاليات ﴿وَيَدْعُونَنا﴾ ويتضرّعون إلينا ﴿رَغَباً﴾ في الثواب وشوقا إليه ﴿وَرَهَباً﴾ من عظمتنا ، وخوفا من العذاب والعتاب ﴿وَكانُوا لَنا﴾ بقلوبهم وشراشر (٣) وجودهم ﴿خاشِعِينَ﴾ ومتواضعين ، أو على الدّوام وجلين ، وفي الآية دلالة على غاية فضيلة المسارعة إلى الطاعة كالصّلوات الواجبة في أوّل أوقاتها.
﴿وَالَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَها فَنَفَخْنا فِيها مِنْ رُوحِنا وَجَعَلْناها وَابْنَها آيَةً لِلْعالَمِينَ
* إِنَّ هذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً واحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ * وَتَقَطَّعُوا أَمْرَهُمْ بَيْنَهُمْ كُلٌّ
إِلَيْنا راجِعُونَ (٩١) و (٩٣)﴾
ثمّ ذكر سبحانه نعمته على مريم بنت عمران بقوله : ﴿وَالَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَها﴾ وحفظت سوأتها من أن تمسّ بحرام أو حلال ﴿فَنَفَخْنا فِيها﴾ بتوسّط جبرئيل ﴿مِنْ رُوحِنا﴾ ووهبنا لها بذلك النّفخ
__________________
(١) تفسير روح البيان ٥ : ٥١٨.
(٢) تفسير الرازي ٢٢ : ٢١٧.
(٣) الشّراشر : الجسم بجملته.