﴿كَفُورٍ﴾ ومبالغ في تضييع حقوق نعمه حيث يصرفها في معاصيه ، ويتقّرب بها إلى الأصنام ، ويأكل نعمه ، ويقرّ بأنّه صانعه ويعبد غيره ، فإنّه تعالى لا يريد نصرهم ، ولا يرضى فعلهم ، ويدفع عن أحبّائه شرّهم.
قيل : نزلت حين أمر المؤمنين بالكفّ عن كفّار مكّة قبل الهجرة ، وكانوا يؤذون المؤمنين ، فاستأذنوا النبيّ صلىاللهعليهوآله في قتلهم سرّا ، فنهاهم الله عنه ، وبشّرهم بإعلائهم على الكفّار ودفع بوائقهم عنهم(١) .
ثمّ رخّص سبحانه لهم في قتال الكفّار بعد الهجرة بقوله : ﴿أُذِنَ﴾ ورخّص من قبل الله في قتال الكفّار ﴿لِلَّذِينَ يُقاتَلُونَ﴾ من المؤمنين ﴿بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا.﴾
روي أنّ المشركين كانوا يؤذون المؤمنين ، فيأتونه صلىاللهعليهوآله بين مضروب ومشجوج ويتظلّمون إليه ، فيقول لهم النبيّ صلىاللهعليهوآله : « إصبروا فإنّي لم أومر بقتال » ، حتى هاجروا فنزلت ، وهي أوّل آية نزلت في القتال (٢) .
عن الباقر عليهالسلام : « لم يؤمر رسول الله صلىاللهعليهوآله بقتال ، ولا اذن له فيه حتى نزل جبرئيل بهذه الآية وقلّده سيفا » (٣) .
ثمّ أنّه تعالى بعد وعد المؤمنين بدفع أذى المشركين عنهم ، وعدهم بالنصر بقوله : ﴿وَإِنَّ اللهَ عَلى نَصْرِهِمْ﴾ وتغليبهم على المشركين ﴿لَقَدِيرٌ﴾ فينصرهم لا محالة. وقيل نزلت : في قوم خرجوا مهاجرين ، فاعترضهم مشركو مكّة ، فأذن في مقاتلتهم (٤) .
﴿الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيارِهِمْ بِغَيْرِ حَقٍّ إِلاَّ أَنْ يَقُولُوا رَبُّنَا اللهُ وَلَوْ لا دَفْعُ اللهِ
النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَهُدِّمَتْ صَوامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَواتٌ وَمَساجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا
اسْمُ اللهِ كَثِيراً وَلَيَنْصُرَنَّ اللهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ (٤٠)﴾
ثمّ أنّه تعالى بعد بيان أنّ سبب الإذن في قتال المشركين ظلمهم على المؤمنين ، بيّن أعظم ظلمهم بقوله : ﴿الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيارِهِمْ﴾ ومنازلهم ، أو أوطانهم ﴿بِغَيْرِ حَقٍ﴾ وموجب لإخراجهم ﴿إِلَّا أَنْ يَقُولُوا رَبُّنَا اللهُ﴾ وسوى أن يقرّوا بتوحيده.
عن الباقر عليهالسلام : « نزلت في رسول الله صلىاللهعليهوآله وعلي وحمزة وجعفر ، وجرت في الحسين عليهمالسلام أجمعين » (٥) .
__________________
(١) تفسير الرازي ٢٣ : ٣٨.
(٢) تفسير الرازي ٢٣ : ٣٩ ، مجمع البيان ٧ : ١٣٨.
(٣) مجمع البيان ١ : ٣٥٤ ، تفسير الصافي ٣ : ٣٨٠.
(٤) تفسير الرازي ٢٣ : ٣٩.
(٥) الكافي ٨ : ٣٣٧ / ٥٣٤ ، تفسير الصافي ٣ : ٣٨١.