لذاته والقديم والحادث والباقي والفاني والغني المطلق والمحتاج المطلق بحدّ لا تعقل الزيادة عليه.
﴿تُسَبِّحُ لَهُ السَّماواتُ السَّبْعُ وَالْأَرْضُ وَمَنْ فِيهِنَّ وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلاَّ يُسَبِّحُ
بِحَمْدِهِ وَلكِنْ لا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ إِنَّهُ كانَ حَلِيماً غَفُوراً (٤٤)﴾
ثمّ نبّه سبحانه على أنّ تسبيحه لا ينحصر بذاته المقدسة بل ﴿تُسَبِّحُ لَهُ﴾ ما في ﴿السَّماواتُ السَّبْعُ وَالْأَرْضُ وَمَنْ فِيهِنَ﴾ من الملائكة والأرواح المقدّسة ، وتنزّهه عن جميع النقائص الامكانية والضدّ والندّ والولد ، ثمّ عمّم تسبيحه لجميع الموجودات بقوله : ﴿وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ﴾ من الأشياء ، وما من موجود من الموجودات ﴿إِلَّا﴾ وهو ﴿يُسَبِّحُ﴾ ربّه ملابسا ﴿بِحَمْدِهِ﴾ على نعمه ﴿وَلكِنْ﴾ أنتم ﴿لا تَفْقَهُونَ﴾ ولا تفهمون ﴿تَسْبِيحَهُمْ﴾ لقصور فهمكم واحتجاب أسماعكم وعدم التدبّر في آيات حدوثهم وإمكانهم.
عن الصادق عليهالسلام : « تنقّض الجدر تسبيحها » (١) .
وعن الباقر عليهالسلام : سئل هل تسبّح الشجرة اليابسة ؟ فقال : « نعم ، أما سمعت خشب البيت كيف ينقض ، وذلك تسبيحه لله ، فسبحان الله على كلّ حال » (٢) .
أقول : ظاهر الروايتين أنّ طروّ النقص على الموجودات ، وظهور التغيير فيها ، دالّ على تنزّه خالقها من النقص والتغيير ، وكون جميعها تحت قدرة موجدها وتدبيره وإرادته ، ولمّا لم يتدبّر المشركون في تلك الآيات لغفلتهم وجهلهم وانهماكهم في الشهوات ، صاروا مستحقّين للعذاب ، ولكن لا يعاجلهم الله به ﴿إِنَّهُ كانَ حَلِيماً﴾ غير عجول في تعذيب العصاة غير الأهلين للغفران ﴿غَفُوراً﴾ لذنوب الأهلين له.
وقيل : إن التسبيح في الآية على معناه الحقيقي ، وهو قول : سبحان الله ، كما عن ابن مسعود ، قال : لقد كنّا نسمع تسبيح الطعام وهو يؤكل (٣) .
وعن ابن عبّاس ، في قوله تعالى : ﴿إِنَّا سَخَّرْنَا الْجِبالَ مَعَهُ يُسَبِّحْنَ بِالْعَشِيِّ وَالْإِشْراقِ﴾(٤) كان داود إذا سبّح جاوبته الجبال بالتسبيح (٥) .
وعن مجاهد : كلّ الأشياء تسبح الله ، حيّا كان أو جمادا ، وتسبيحها : سبحان الله وبحمده (٦) .
__________________
(١) تفسير العياشي ٣ : ٥٤ / ٢٥٢٣ ، الكافي ٦ : ٥٣١ / ٤ ، تفسير الصافي ٣ : ١٩٥.
(٢) تفسير العياشي ٣ : ٥٤ / ٢٥٢٨ ، تفسير الصافي ٣ : ١٩٥.
(٣) تفسير روح البيان ٥ : ١٦٣.
(٤) سورة ص : ٣٨ / ١٨.
(٥) تفسير روح البيان ٥ : ١٦٣.
(٦) تفسير روح البيان ٥ : ١٦٣.