ثمّ حكى سبحانه اعتراض المشركين على القرآن بنزوله نجوما بقوله : ﴿وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا﴾ من قريش طعنا على القرآن : ﴿لَوْ لا﴾ وهلّا ﴿نُزِّلَ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ جُمْلَةً﴾ ودفعة ﴿واحِدَةً﴾ كتوراة موسى ، وإنجيل عيسى على ما قاله أهل الكتاب ؟ فأجاب سبحانه عنه بقوله : ﴿كَذلِكَ﴾ التفريق فرّقناه ﴿لِنُثَبِّتَ﴾ ولنقوّي ﴿بِهِ فُؤادَكَ﴾ وقلبك في التبليغ ، لكون كلّ آية في حادثة وواقعة معجزة ظاهرة مستقلة ، فعجزهم عن إتيان مثلها دليل واضح على صدقك ، فيكون القرآن معجزات كثيرة بحسب كثرة آياته ، فلو نزل جملة واحدة لعدّ جميعه معجزة واحدة ، ولكون نزوله على حسب أسئلة الناس والوقائع موجبا (١) لازدياد بصيرتهم ، لانضمام فصاحته بالأخبار المغيبة ، مع أنّ في نزوله مفرّقا رفقا بالعباد وتسهيلا (٢) للعمل بالأحكام قليلا قليلا ، فلو نزلت الأحكام جملة واحدة لثقلت عليهم ، وخرجوا من الدين ، ففي ثباتهم عليه مع ما استلزم التفريق من رؤية جبرئيل وقتا بعد وقت وحالا بعد حال تقوية لقلبك الشريف.
﴿وَ﴾ كذلك ﴿رَتَّلْناهُ﴾ وقرأناه عليك شيئا فشيئا ، وعلى تؤدة ومهل ﴿تَرْتِيلاً﴾ حسنا موجبا لتيسّر فهمه وحفظه والالتفات إلى جهات إعجازه ﴿وَلا يَأْتُونَكَ﴾ يا محمّد ﴿بِمَثَلٍ﴾ وسؤال عجيب واعتراض غريب يعدّ في الغرابة من الأمثال ، يريدون به القدح في نبوّتك ، والطعّن في كتابك ﴿إِلَّا جِئْناكَ﴾ وأوحينا إليك جوابا مقرونا ﴿بِالْحَقِ﴾ المبطل لما أتوا به ﴿وَ﴾ بما يكون ﴿أَحْسَنَ تَفْسِيراً﴾ وألطف بيانا وتفصيلا ، لما هو الصواب ومقتضى الحكمة.
قيل : إنّ كلّ نبي إذا اعترض عليه قومه ، كان هو بنفسه يردّ عليهم ، وأما نبينا صلىاللهعليهوآله فكان إذا قال له قومه شيئا كان الله يردّ عليهم (٣) .
﴿الَّذِينَ يُحْشَرُونَ عَلى وُجُوهِهِمْ إِلى جَهَنَّمَ أُوْلئِكَ شَرٌّ مَكاناً وَأَضَلُّ سَبِيلاً (٣٤)﴾
ثمّ هدّد الله الطاعنين في القرآن المعترضين عليه بقوله : ﴿الَّذِينَ يُحْشَرُونَ﴾ ويساقون من قبورهم إلى المحشر ماشين ﴿عَلى وُجُوهِهِمْ﴾ ويسحبون عليها ويجرّون ﴿إِلى جَهَنَّمَ.﴾
في الحديث : « يحشر الناس يوم القيامة على ثلاثة أصناف : صنف على الدوابّ ، وصنف على الأقدام ، وصنف على الوجوه » فقيل : يا نبي الله ، كيف يحشرون على وجوههم ؟ فقال : « إنّ الذي أمشاهم على أقدامهم ، فهو قادر على أن يمشيهم على وجوههم » (٤) .
__________________
(١) في النسخة : موجب.
(٢) في النسخة : رفق بالعباد وتسهيل.
(٣و٤) تفسير روح البيان ٦ : ٢٠٩.