روي أنّ النّبيّ صلىاللهعليهوآله كان إذا صلّى رفع بصره إلى السّماء ، فلمّا نزلت رمى ببصره نحو مسجده ، وأنّه رأى مصلّيا يعبث بلحيته فقال : « لو خشع قلبه لخشعت جوارحه » (١) .
وروي أنّ العبد إذا قام إلى الصّلاة ، فإنّما هو بين يدي الرّحمن ، فإذا التفت يقول الله تعالى : إلى من تلتفت ، إلى خير منّي ؟ أقبل يابن آدم [ إليّ ] فأنا خير ممّن تلتفت إليه (٢) .
ثمّ وصفهم الله بقوله : ﴿وَالَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ﴾ وما لا فائدة فيه من الأقوال والأفعال ﴿مُعْرِضُونَ﴾ ومتباعدون. قيل : هو القول الحرام (٣) . وقيل : هو كلّ حرام أعمّ من القول والفعل (٤) . وقيل : هو أعمّ من الحرام والمكروه والمباح الذي لا حاجة فيه (٥) .
وقال القمي : يعني الغناء والملاهي ، وهو مرويّ عن الصادق عليهالسلام (٦) .
وعنه عليهالسلام أيضا : « هو أن يتقوّل الرّجل عليك بالباطل ، أو يأتيك بما ليس فيك فتعرض عنه لله» (٧) .
روى بعض العامة أنّه تكلّم رجل في زين العابدين عليّ بن الحسين عليهالسلام وافترى عليه ، فقال له زين العابدين عليهالسلام : « إن كنت كما قلت فأستغفر الله ، وإن لم أكن كما قلت فغفر الله لك » فقام إليه الرّجل وقبّل رأسه وقال : جعلت فداك ، لست كما قلت فاغفر لي ، قال : « غفر الله لك » فقال الرجل : الله أعلم حيث يجعل رسالته.
وخرج يوما من المسجد ، فلقيه رجل فسبّه ، فثارت إليه العبيد والموالي ، فقال زين العابدين عليهالسلام: « مهلا على الرّجل » ، ثمّ أقبل على الرّجل وقال : « ما ستر عنك من أمرنا أكثر ، ألك حاجة نعينك عليها ؟ » فاستحيى الرّجل ، فالقى إليه خميصة (٨) كانت عليه ، وأمر له بألف درهم ، فكان الرّجل بعد ذلك يقول : أشهد أنّك من أولاد الرّسول (٩) .
وعن أمير المؤمنين عليهالسلام : « كلّ قول ليس فيه ذكر الله فهو لغو » (١٠) .
وإنّما ذكر سبحانه الإعراض عن اللّغو بعد ذكر الخشوع في الصّلاة ، لكمال الملابسة بينهما. وقيل: إنّ الإعراض عن اللّغو من متمّمات الصّلاة (١١) .
﴿وَالَّذِينَ هُمْ لِلزَّكاةِ فاعِلُونَ * وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حافِظُونَ * إِلاَّ عَلى
__________________
(١) تفسير أبي السعود ٦ : ١٢٣ ، تفسير روح البيان ٦ : ٦٧.
(٢) تفسير روح البيان ٦ : ٦٧.
(٣) تفسير الرازي ٢٣ : ٧٩.
(٤ و٥) تفسير الرازي ٢٣ : ٧٩.
(٦) تفسير القمي ٢ : ٨٨ ، تفسير الصافي ٣ : ٣٩٤.
(٧) مجمع البيان ٧ : ١٥٨ ، تفسير الصافي ٣ : ٣٩٤.
(٨) الخميصة : ثوب أسود أو أحمر له أعلام.
(٩) تفسير روح البيان ٦ : ٦٣.
(١٠) إرشاد المفيد ١ : ٢٩٧ ، تفسير الصافي ٣ : ٣٩٤.
(١١) تفسير الرازي ٢٣ : ٨٠.