كيف عاجلهم بالعقوبة ، فماذا يؤمّنهم من أن يكون حالهم في سؤال الآيات كحال اولئك ، وعلى أيّ تقدير لمّا كان كلّ من الامور المذكورة في القرآن شاهدا على صدق نبوّته ، وصفه الله بكونه بيّنة. وتذكير الضّمير الراجع إلى ( البيّنة ) لأنّها في معنى الدليل البرهان (١) .
ثمّ بيّن سبحانه أنّه أتمّ الحجّة على الكفّار والمشركين ببعثة خاتم النبيّين صلىاللهعليهوآله بقوله : ﴿وَلَوْ أَنَّا أَهْلَكْناهُمْ بِعَذابٍ﴾ أيّ عذاب كان ، أو بعذاب مستأصل في الدنيا سابقا على بعثة محمّد صلىاللهعليهوآله وإتيان البيّنة و﴿مِنْ قَبْلِهِ﴾ لكفرهم وشركهم ، لكان العذاب قبل إتمام الحجّة و﴿لَقالُوا﴾ يوم القيامة احتجاجا علينا : ﴿رَبَّنا لَوْ لا أَرْسَلْتَ إِلَيْنا﴾ في الدنيا ﴿رَسُولاً﴾ يبلّغنا دينك ، ويقرأ علينا كتابك ، ويعلّمنا أحكامك ﴿فَنَتَّبِعَ﴾ بارشاده ﴿آياتِكَ﴾ المنزلة ، ونطيع أحكامك المقرّرة المشروعة ، ونكون من المؤمنين الصالحين ﴿مِنْ قَبْلِ أَنْ نَذِلَ﴾ بالضلال والقتل والأسر في الدنيا ﴿وَنَخْزى﴾ بالابتلاء بالعذاب الشّديد ، والدخول في النار في الآخرة ، وأمّا اليوم فقد تمّت عليهم الحجّة ، وانقطع عذرهم في الكفر والضلال ، وانسدّ باب حجّتهم علينا ببعثة محمّد صلىاللهعليهوآله وإنزال القرآن ، إن عذّبناهم في الدنيا أو في الآخرة فليس لهم أن يأمنوا من نزول العذاب عليهم كما نزل على الامم السابقة مع كمال استحقاقهم له.
ثمّ هدّدهم بالعذاب بقوله : ﴿قُلْ﴾ يا محمّد لهم : ﴿كُلٌ﴾ منّا ومنكم ﴿مُتَرَبِّصٌ﴾ ومنتظر لعاقبة الأمر وآثار العقائد والأعمال في الدنيا وقبل الموت ، فترى لأيّنا الدولة والشوكة ونفوذ الكلمة ، وفي الآخرة يكون لأيّنا الثواب والكرامة عند الله والعقاب وأنواع الهوان.
روي أنّ المشركين قالوا : نتربّص بمحمّد حوادث الدّهر ، فإذا مات تخلّصنا منه (٢) ، فأجابهم الله بقوله : ﴿فَتَرَبَّصُوا﴾ وانتظروا أيّها المشركون ﴿فَسَتَعْلَمُونَ﴾ عن قريب إذا جاء أمر الله تعالى ﴿مَنْ أَصْحابُ الصِّراطِ السَّوِيِ﴾ والطريق المستقيم الموصل إلى كلّ خير دنيويّ واخروي ﴿وَمَنِ اهْتَدى﴾ إلى دين الحقّ وطريق الصواب ، أنحن أم أنتم ؟ وفيه غاية التّهديد والوعيد.
عن أمير المؤمنين عليهالسلام عن النبيّ صلىاللهعليهوآله في حديث « قيل : ومن الوليّ يا رسول الله ؟ قال : وليّكم في هذا الزمان أنا ، ومن بعدي وصيّي ، ومن بعد وصيّي لكلّ زمان حجج لله ، لكيلا يقولوا (٣) كما قال الضّلّال من قبلكم [ حين ] فارقهم نبيّهم : ﴿رَبَّنا لَوْ لا أَرْسَلْتَ إِلَيْنا رَسُولاً﴾ الآية ، وإنّما كان تمام ضلالتهم جهالتهم بالآيات ، وهم الأوصياء ، فأجابهم الله بقوله : ﴿قُلْ كُلٌّ مُتَرَبِّصٌ﴾ الآية ، وإنّما كان
__________________
(١) تفسير الرازي ٢٢ : ١٣٧.
(٢) تفسير روح البيان ٥ : ٤٥٠.
(٣) في كشف المحجة : كيما لا تقولون.