والنّعم الدّائمة ﴿لِلتَّقْوى﴾ وأهلها لا لأهل الدنيا.
روى الفخر الرازي وغيره من العامة أنّه صلىاللهعليهوآله كان بعد نزول [ هذه ] الآية يذهب إلى باب فاطمة وعلي عليهماالسلام كلّ صباح ويقول : « الصّلاة » ، [ و] كان يفعل ذلك أشهرا (١) .
وعن الباقر عليهالسلام في هذه الآية قال : « أمر الله نبيّه صلىاللهعليهوآله أن يخصّ أهل بيته ونفسه دون الناس ، ليعلم الناس أنّ لأهله عند الله منزلة ليست لغيرهم ، فأمرهم مع الناس عامة ، ثمّ أمرهم خاصّة » (٢) .
وعن الرضا عليهالسلام قال : « خصّنا الله بهذه الخصوصية ، إذ أمرنا مع الامّة بإقامة الصّلاة ، ثمّ خصّنا من دون الامّة ، فكان رسول الله صلىاللهعليهوآله يجيئ إلى باب علي وفاطمة عليهماالسلام بعد نزول هذه الآية تسعة أشهر في كلّ يوم عند حضور كلّ صلاة خمس مرّات ، فيقول : الصلاة رحمكم الله ، وما أكرم الله أحدا من ذراريّ الأنبياء بمثل هذه الكرامة التي أكرمنا [ بها ] وخصّنا من دون جميع أهل بيتهم » (٣) .
﴿وَقالُوا لَوْ لا يَأْتِينا بِآيَةٍ مِنْ رَبِّهِ أَ وَلَمْ تَأْتِهِمْ بَيِّنَةُ ما فِي الصُّحُفِ الْأُولى * وَلَوْ
أَنَّا أَهْلَكْناهُمْ بِعَذابٍ مِنْ قَبْلِهِ لَقالُوا رَبَّنا لَوْ لا أَرْسَلْتَ إِلَيْنا رَسُولاً فَنَتَّبِعَ آياتِكَ
مِنْ قَبْلِ أَنْ نَذِلَّ وَنَخْزى * قُلْ كُلٌّ مُتَرَبِّصٌ فَتَرَبَّصُوا فَسَتَعْلَمُونَ مَنْ أَصْحابُ
الصِّراطِ السَّوِيِّ وَمَنِ اهْتَدى (١٣٣) و (١٣٥)﴾
ثمّ لمّا أمر الله تعالى نبيّه صلىاللهعليهوآله بالصبر على أقوال المشركين ، حكى اعتراضهم على الرسول وشبهتهم في رسالته بقوله : ﴿وَقالُوا﴾ إضلالا للنّاس وإلقاء للشّبهة في قلوبهم : ﴿لَوْ لا﴾ وهلّا ﴿يَأْتِينا﴾ محمّد ﴿بِآيَةٍ﴾ ومعجزة ممّا اقترحنا عليه ﴿مِنْ رَبِّهِ﴾ لتكون دليلا على صدقه في دعوى نبوّته ؟ ثمّ ردّهم سبحانه بقوله : ﴿أَ وَلَمْ تَأْتِهِمْ﴾ قيل : إنّ التقدير : ألم تأتهم المعجزات الكثيرة ؟ ! ولم تأتهم ﴿بَيِّنَةُ ما فِي الصُّحُفِ الْأُولى﴾ والكتب السماويّة السابقة من العقائد الحقّة واصول الأحكام التي اجتمعت عليها كافّة الرسل وأخبار الامم السالفة ، مع أنّه لم يشتغل بالدراسة والتعلّم ، ولم يقرأ كتابا ، ولم ير عالما ، وهذا من أعظم المعجزات ، لأنّه من الإخبار بالمغيبات (٤) .
وقيل : إنّ المراد ب ( بيّنة ما في الصّحف الاولى ) ما فيها من البشارة ببعثة محمّد صلىاللهعليهوآله ونبوته(٥).
وقيل : إنّها أخبار الامم الّذين أهلكهم الله بعد سؤالهم الآيات من رسلهم وكفرهم بها ، وإنّه تعالى
__________________
(١) تفسير الرازي ٢٢ : ١٣٧ ، تفسير روح البيان ٥ : ٤٤٨.
(٢) مجمع البيان ٧ : ٦٠ ، عوالي اللآلي ٢ : ٢٢ / ٤٩ تفسير الصافي ٣ : ٣٢٧.
(٣) عيون أخبار الرضا عليهالسلام ١ : ٢٤٠ / ١ ، تفسير الصافي ٣ : ٣٢٧.
(٤ و٥) تفسير الرازي ٢٢ : ١٣٧.