والعقول.
ثمّ أنّه تعالى بعد ذكر لطفه بنبيّه صلىاللهعليهوآله ذكر ألطافه بموسى بن عمران الذي هو دونه في القرب منه ، تقوية لقلبه الشريف ، وتحريضا له على تحمّل أعباء الرسالة ، وتقريرا لأمر التوحيد بقوله : ﴿وَهَلْ أَتاكَ﴾ وبلغك ﴿حَدِيثُ مُوسى﴾ عن ابن عباس : أ ليس قد أتاك خبره ؟ (١) وفي هذا الاستفهام المبالغة في إعجاب قصّته ﴿إِذْ رَأى ناراً﴾ روي أنّ موسى عليهالسلام تزوّج صفوراء بنت شعيب ، ثمّ أستأذن منه في الخروج من مدين لزيارة امّه وأخيه هارون في مصر ، فخرج بأهله ، وأخذ على غير طريق خوفا من ملوك الشام ، فلمّا أتى وادي طوى ، وهو بالجانب الغربي من الطّور ، ولد له ولد في ليلة مظلمة ذات برد وشتاء وثلج ، وكانت ليلة الجمعة ، فقدح زنده ، فلم تخرج منه نار (٢) .
وقيل : كان موسى عليهالسلام غيورا يصحب الناس بالليل ويفارقهم بالنهار ، لئلّا يروا امرأته ، فلذا أخطأ الرّفقة والطّريق ، فبينما هو في ذلك ، إذ رأى نارا من بعيد على يسار الطريق من جانب الطّور ، فظنّ أنّها من نيران الرّعاة (٣)﴿فَقالَ لِأَهْلِهِ﴾ وصحبه من امرأته وولده وخدمه : ﴿امْكُثُوا﴾ وتوقّفوا في مكانكم ، ولا تتّبعوني ﴿إِنِّي آنَسْتُ﴾ وشاهدت من البعيد ﴿ناراً﴾ فأذهب إليها ﴿لَعَلِّي آتِيكُمْ مِنْها بِقَبَسٍ﴾ وشعلة أو جذوة ﴿أَوْ أَجِدُ﴾ بالسّؤال من القاعدين والمشرفين ﴿عَلَى النَّارِ﴾ عن الطريق ﴿هُدىً﴾ ورشادا إليه ، أو ما اهتدي به من دليل وعلامة ﴿فَلَمَّا﴾ فارق أهله ، وأسرع إلى النار و﴿أَتاها﴾ وانتهى سيره إليها.
عن ابن عبّاس : رأى شجرة خضراء ، أحاطت بها من أسفلها وأعلاها نار بيضاء تتّقد كأضوء ما يكون ، ولم ير هناك أحدا ، فوقف متعجّبا من شدّة ضوء تلك النار ، وشدّة خضرة تلك الشجرة ، فلا النّار تغيّر خضرتها ، ولا كثرة ماء الشجرة تغيّر ضوء النار ، فسمع تسبيح الملائكة ، ورأى نورا عظيما تكلّ الأبصار عنه ، فوضع يديه على عينيه ، وخاف وبهت ، فالقيت عليه السكينة والطّمأنينة (٤) ، فعند ذلك ﴿نُودِيَ﴾ وقيل : ﴿يا مُوسى﴾ لا تخف ولا تحزن وليطمئنّ قلبك ﴿إِنِّي أَنَا رَبُّكَ﴾ اللّطيف بك.
وعن وهب : ظنّ موسى عليهالسلام أنّها نار أوقدت ، فأخذ من دقائق الحطب ليقتبس من لهبها ، فمالت إليه كأنّها تريده ، فتأخّر عنها وهابها ، ثمّ لم تزل تطمعه ويطمع فيها ، ثم لم يكن أسرع من خمودها كأنّها لم تكن ، ثمّ رمى موسى عليهالسلام بنظره إلى فرعها ، فإذا خضرتها ساطعة في السّماء ، وإذا نور بين السماء والأرض له شعاع تكلّ عنه الأبصار ، فلمّا رأى موسى عليهالسلام ذلك وضع يده على عينيه ، فنودي:
__________________
(١) تفسير الرازي ٢٢ : ١٤.
(٢ و٣) تفسير روح البيان ٥ : ٣٦٩.
(٤) تفسير روح البيان ٥ : ٣٦٩.