تعرض عليه ذرّيته فيقول : روح طيب وريح طيبة من جسد طيّب ثمّ تلا رسول الله صلىاللهعليهوآله (١) : ﴿إِنَّ كِتابَ الْأَبْرارِ لَفِي عِلِّيِّينَ* وَما أَدْراكَ ما عِلِّيُّونَ* كِتابٌ مَرْقُومٌ* يَشْهَدُهُ الْمُقَرَّبُونَ﴾(٢) إلى آخرها. قال : فسلّمت على أبي آدم وسلّم عليّ ، واستغفرت له واستغفر لي ، وقال : مرحبا بالابن الصالح ، والنبي الصالح ، والمبعوث في الزمن الصالح.
ثمّ مررت بملك من الملائكة جالس على مجلس (٣) ، وإذا جميع الدنيا بين ركبتيه ، وإذا بيده لوح من نور ينظر إليه مكتوب فيه ، كتاب ينظر فيه ولا يلتفت يمينا ولا شمالا إلا وهو مقبل عليه كهيئة الحزين ، فقلت : من هذا يا جبرئيل ؟ فقال : هذا ملك الموت دائب في قبض الأرواح. فقلت : يا جبرئيل ادنني منه حتّى اكلّمه ، فأدناني منه فلّسمت عليه ، فقال له جبرئيل : هذا نبي الرحمة الذي أرسله الله إلى العباد ، فرحّب بي وحيّاني بالسلام ، وقال : أبشر يا محمّد ، فإنّي أرى الخير في امتك. فقلت : الحمد لله المنّان ذي النّعم على عباده ، ذلك من فضل رّبي ورحمته عليّ.
فقال جبرئيل : هو أشدّ الملائكة عملا. فقلت : أكلّ من مات أو هو ميت فيما بعد هذا يقبض روحه ؟ فقال : نعم : قلت : ويراهم حيث كانوا ويشهدهم بنفسه ؟ فقال : نعم. فقال ملك الموت : ما الدنيا كلّها عندي فيما سخّرها الله لي ومكّنني منها إلّا كالدرهم في كفّ الرجل يقلّبه كيف يشاء ، وما من دار إلّا وأنا أتصفّحها كلّ يوم خمس مرات ، وأقول إذا بكى أهل الميت على ميتهم : لا تبكوا عليه ، فانّ لي فيكم عودة وعودة حتى لا يبقى منكم أحد ، فقال رسول الله صلىاللهعليهوآله : كفى بالموت طامّة يا جبرئيل. فقال جبرئيل : إنّ ما بعد الموت أطمّ وأطمّ من الموت.
قال : ثمّ مضيت فاذا أنا بقوم بين أيديهم موائد من لحم طيب ولحم خبيث يأكلون الخبيث ويدعون الطيب ، فقلت : من هؤلاء يا جبرئيل ؟ فقال : هؤلاء الذين يأكلون الحرام ويدعون الحلال ، وهم من امّتك يا محمد.
فقال رسول الله صلىاللهعليهوآله : ثمّ رأيت ملكا من الملائكة جعل الله أمره عجبا ، نصف جسده نار ، والنصف الأخر ثلج ، فلا النار تذيب الثلج ، ولا الثلج يطفىء النار ، وهو ينادي بصوت رفيع يقول : سبحان الذي كفّ حرّ هذه النار فلا تذيب الثلج ، وكفّ برد [ هذا ] الثلج فلا يطفئ حرّ هذه النار ، اللهمّ يا مؤلّف بين الثلج والنار ألّف بين قلوب عبادك المؤمنين. فقلت : من هذا يا جبرئيل ؟ فقال : هذا ملك وكّله الله بأكناف السماوات وأطراف الأرضين ، وهو أنصح ملائكة الله لأهل الأرضين من عباده المؤمنين ،
__________________
(١) زاد في المصدر : سورة المطففين على رأس سبعة عشر آية.
(٢) المطففين : ٨٣ / ١٨ - ٢١.
(٣) في المصدر : الملائكة وهو جالس.