وأما إلانة الحديد بغير نار كما يلين العجين فى يده ، فكان يصنع هذه الدروع الداودية ، وهى الزرديات السابغات ، وأمره الله تعالى بنفسه بعملها ، وقدر فى السرد ، أى ألا يدق المسمار فيعلق ولا يعظله فيقصم ، كما جاء فى البخارى ، وقال تعالى : (وَعَلَّمْناهُ صَنْعَةَ لَبُوسٍ لَكُمْ لِتُحْصِنَكُمْ مِنْ بَأْسِكُمْ فَهَلْ أَنْتُمْ شاكِرُونَ (٨٠)) (١) وقد قال بعض الشعراء فى معجزات النبوة :
نسيج داود ما حمى صاحب الغا |
|
ر وكان الفخار للعنكبوت |
والمقصود المعجز فى إلانة الحديد ، وقد تقدم فى السيرة عند ذكر حفر الخندق عام الأحزاب فى سنة أربع ، وقيل : خمس ، أنهم عرضت لهم كيدية ـ وهى الصخرة فى الأرض ـ فلم يقدروا على كسرها ولا شيء منها ، فقام إليها رسول الله صلىاللهعليهوسلم ـ وقد ربط حجرا على بطنه من شدة الجوع ـ فضربها ثلاث ضربات ، لمعت الأولى حتى أضاءت له منها قصور الشام ، وبالثانية قصور فارس ، وثالثة ، ثم انسالت الصخرة كأنها كثيب من الرمل ، ولا شك أن انسيال الصخرة التى لا تنفعل ولا بالنار ، أعجب من لين الحديد الّذي إن أحمى لانه كما قال بعضهم :
فلو أن ما عالجت لين فؤادها |
|
بنفسى للان الجندل ... (٢) |
والجندل الصخر ، فلو أن شيئا أشد قوة من الصخر لذكره هذا الشاعر المبالغ ، قال الله تعالى : (ثُمَّ قَسَتْ قُلُوبُكُمْ مِنْ بَعْدِ ذلِكَ فَهِيَ كَالْحِجارَةِ أَوْ أَشَدُّ قَسْوَةً) (٣) الآية ، وأما قوله تعالى : (قُلْ كُونُوا حِجارَةً أَوْ حَدِيداً (٥٠) أَوْ خَلْقاً مِمَّا يَكْبُرُ فِي صُدُورِكُمْ) (٤) الآية ، فذلك لمعنى آخر فى
__________________
(١) سورة الأنبياء ، الآية : ٨٠.
(٢) هكذا في الأصل. والصواب : بنفسي للان الجندل والصلد.
(٣) سورة البقرة ، الآية : ٧٤.
(٤) سورة الإسراء ، الآيتان : ٥٠ ، ٥١.