أيضا ، كما تقدم بسط ذلك كله ، ولا شك أن صدور التسبيح من الحصا الصغار الصم التى لا تجاويف فيه ، أعجب من صدور ذلك من الجبال ، لما فيها من التجاويف والكهوف، فإنها وما شاكلها تردد صدى الأصوات العالية غالبا ، كما قال عبد الله بن الزبير : ككان إذا خطب ـ وهو أمير المدينة بالحرم الشريف ـ تجاوبه الجبال ، أبو قبيس وزرود ، ولكن من غير تسبيح ، فإن ذلك من معجزات داود عليهالسلام. ومع هذا كان تسبيح الحصا فى كف رسول الله صلىاللهعليهوسلم وأبى بكر وعمر وعثمان ، وأعجب ، وأما أكل داود من كسب يده ، فقد كان رسول الله صلىاللهعليهوسلم يأكل من كسبه أيضا ، كما كان يرعى غنام لأهل مكة على قراريط.
وقال : وما من نبى إلا وقد رعى الغنم. وخرج إلى الشام فى تجارة لخديجة مضاربة ، وقال الله تعالى : (قالُوا ما لِهذَا الرَّسُولِ يَأْكُلُ الطَّعامَ وَيَمْشِي فِي الْأَسْواقِ لَوْ لا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مَلَكٌ فَيَكُونَ مَعَهُ نَذِيراً (٧) أَوْ يُلْقى إِلَيْهِ كَنْزٌ أَوْ تَكُونُ لَهُ جَنَّةٌ يَأْكُلُ مِنْها وَقالَ الظَّالِمُونَ إِنْ تَتَّبِعُونَ إِلَّا رَجُلاً مَسْحُوراً (٨) انْظُرْ كَيْفَ ضَرَبُوا لَكَ الْأَمْثالَ فَضَلُّوا فَلا يَسْتَطِيعُونَ سَبِيلاً (٩)) (١) إلى قوله : (وَما أَرْسَلْنا قَبْلَكَ مِنَ الْمُرْسَلِينَ إِلَّا إِنَّهُمْ لَيَأْكُلُونَ الطَّعامَ وَيَمْشُونَ فِي الْأَسْواقِ) (٢) أى للتكسب والتجارة طلبا للربح الحلال ، ثم لما شرع الله الجهاد بالمدينة ، كان يأكل مما أباح له من المغانم التى لم تبح قبله ، ومما أفاء الله عليه من أموال الكفار التى أبيحت له دون غيره ، كما جاء فى المسند والترمذي عن ابن عمر قال : قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : بعثت بالسيف بين يدى الساعة حتى يعبد الله وحده لا شريك له ، وجعل رزقى تحت ظل رمحى ، وجعل الذلة والصغار على من خالف أمرى ، ومن تشبه بقوم فهو منهم ،
__________________
(١) سورة الفرقان ، الآيات : ٧ ـ ٩.
(٢) سورة الفرقان ، الآية : ٢٠.