فأوقع لفظ «الفيء» على ما لم تنسخه الشمس ؛ لأن ظلّ الجنة ما حصل بعد أن كان زائلا بسبب ضوء الشمس.
وقيل : بل تختصّ الظلّ : بما قبل الزوال ، والفيء : بما بعده.
قال الأزهري (١) : تفيّؤ الظّلال : رجوعها بعد انتصاف النّهار ، فالتفيؤ : لا يكون إلا بالعشيّ بعد ما انصرفت عنه الشمس ، والظل ما يكون بالغداة ، وهو ما لم تنله الشمس ؛ قال الشاعر : [الطويل]
٣٣١٤ ـ فلا الظّلّ من برد الضّحى تستطيعه |
|
ولا الفيء من برد العشيّ تذوق (٢) |
وقال امرؤ القيس : [الطويل]
٣٣١٥ ـ تيمّمت العين الّتي عند ضارج |
|
يفيء عليها الظّلّ عرمضها طام (٣) |
وقد خطأ ابن قتيبة الناس في إطلاقهم الفيء على ما قبل الزوال وقال : إنما يطلق على ما بعده ؛ واستدل بالاشتقاق ؛ فإن الفيء هو الرجوع ، وهو متحقق بما بعد الزّوال [قال : وإنما يطلق على ما بعده](٤) ، فإن الظل يرجع إلى جهة المشرق بعد الزوال بعد ما نسخته الشمس قبل الزوال.
وتقول العرب في جمع فيء : «أفياء» للقليل ، و«فيؤ» للكثير ؛ كالبيوت ، والعيون ، وقرأ أبو عمرو (٥) «تتفيّؤ» بالتاء من فوق مراعاة لتأنيث الجمع ، وبها قرأ يعقوب ، والباقون بالياء لأنه تأنيث مجازي.
وقرأ العامة : «ظلاله» جمع ظلّ ، وعيسى بن عمر (٦) «ظلله» جمع ظلة ؛ ك «غرفة ، وغرف».
قال صاحب اللّوامح في قراءة عيسى «ظلله» : والظّلّة : الغيم : وهو جسم ، وبالكسر : الفيء ، وهو عرض فرأى عيسى : أنّ التفيؤ الذي هو الرجوع بالأجسام أولى منه بالإعراض ، وأما في العامة فعلى الاستعارة.
__________________
(١) ينظر : تهذيب اللغة ١٥ / ٥٧٧.
(٢) البيت لحميد بن ثور ، ينظر : ديوانه (٤٠) ، البحر المحيط ٥ / ٤٨١ ، التهذيب ٥ / ٥٧٨ (فاء) ، الصحاح ١ / ٦٣ ، اللسان (فيأ) ، فصيح ثعلب ٩٥ ، المفضليات ١٨٧ ، إصلاح المنطق ٣٢٠ ، شواهد المغني للبغدادي ٣ / ٢٥٢ ، روح المعاني ١٤ / ١٥٣ ، الدر المصون ٤ / ٣٣٠.
(٣) ينظر : ديوانه (١٦٢) ، الشعر والشعراء ١ / ١١٢ ، اللسان والتاج والصحاح (عرمض) ، البحر المحيط ٥ / ٤٨١ ، المحرر الوجيز ٣ / ٦٦٩ الألوسي ١٤ / ١٥٣ ، الدر المصون ٤ / ٣٣٠.
(٤) زيادة من : أ.
(٥) ينظر : السبعة ٣٠٣ ، والحجة ٣٩١ ، والإتحاف ٢ / ١٨٥ ، والبحر ٥ / ٤٨٠ ، والقرطبي ١٠ / ٧٤ ، والدر المصون ٤ / ٣٣٠.
(٦) المحتسب ٢ / ١٠ ، والبحر ٥ / ٤٨٠ ، والدر المصون ٤ / ٣٣٠.