وكان صعصعة عم الفرزدق إذا أحسّ شيئا من ذلك ، وجه إلى والد البنت إبلا يستحييها بذلك ، فقال الفرزدق مفتخرا به : [المتقارب]
٣٣٣٠ ـ وعمّي الذي منع الوائدات |
|
وأحيا الوئيد فلم توءد (١) |
(أَلا ساءَ ما يَحْكُمُونَ) ؛ لأنّهم بلغوا في الاستنكاف من البنت إلى أعظم الغايات.
أولها : أنه يسوّدّ وجهه.
ثانيها : أنّه يختفي عن القوم من شدّة نفرته عنها.
وثالثها : يقدم على قتلها مع أنّ الولد محبوب بالطبع ، وذلك يدلّ على أنّ النفرة من البنت تبلغ مبلغا لا مزيد عليه ، فالشيء الذي يبلغ الاستنكاف عنه إلى هذا الحدّ العظيم ، كيف يليق بالعاقل أن ينسبه لإله العالم القديم المقدّس العالي عن مشابهة جميع المخلوقات؟.
ونظير هذه الآية قوله تعالى : (أَلَكُمُ الذَّكَرُ وَلَهُ الْأُنْثى تِلْكَ إِذاً قِسْمَةٌ ضِيزى) [النجم : ٢١ ، ٢٢].
فصل
قال القرطبيّ : ثبت في صحيح مسلم أنّ النبي صلىاللهعليهوسلم قال : «من ابتلي من البنات بشيء ، فأحسن إليهنّ كنّ له سترا من النّار» (٢).
وعن أنس بن مالك ـ رضي الله عنه ـ قال : قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم «من عال جاريتين حتّى تبلغا ، جاء يوم القيامة أنا وهو كهاتين ، وضمّ أصابعه» أخرجهما مسلم (٣).
فصل
قال القاضي : «دلّت هذه الآية على بطلان الجبر ؛ لأنّهم يضيفون إلى الله ـ تعالى ـ من الظّلم ، والفواحش ما إذا أضيف إلى أحدهم أجهد نفسه في البراءة منه ، والتّباعد عنه ، فحكمهم في ذلك مشابه لحكم هؤلاء المشركين ، بل أعظم ؛ لأنّ إضافة البنات إلى الله إضافة قبح واحد ، وذلك أسهل من إضافة كل القبائح والفواحش إلى الله ـ تعالى ـ».
وجوابه : لما ثبت بالدّليل استحالة الصاحبة والولد على الله أردفه الله ـ تعالى ـ بذكر هذا الوجه الإقناعي ، وإلا فليس كل ما قبح في العرف قبح من الله ـ تعالى ـ ألا ترى أنّه لو زيّن رجل إماءه ، وعبيده ، وبالغ في تحسين صورهم ، ثمّ بالغ في تقوية الشّهوة فيهم
__________________
(١) ينظر : الديوان ١ / ١٧٣ ، القرطبي ١٠ / ٧٨ ، البغوي ٤ / ٩٧ ، مجاز القرآن ٢ / ٢٨٧ ، الخازن ٤ / ٩٧ ، الكشاف ٢ / ١٠٢ ، أمالي المرتضى ٢ / ٢٨٢ ، اللسان (وأد) الإصابة ٣ / ١٨٦.
(٢) أخرجه البخاري ١٠ / ٤٤٠ ، كتاب الأدب : باب رحمة الولد وتقبيله ومعانقته (٥٩٩٥) ومسلم ٤ / ٢٠٢٧ ، كتاب البر والصلة والآداب : باب فضل الإحسان إلى البنات (١٤٧ ـ ٢٦٢٩).
(٣) أخرجه مسلم في ٤ / ٢٠٢٨ ، كتاب البر والصلة والآداب : باب فضل الإحسان إلى البنات ١٤٩ ـ ٢٦٣١ ، والترمذي ٤ / ٢٨١ ، كتاب البر والصلة : باب ما جاء في النفقة على البنات والأخوات ١٩١٤.