الله ، فليس في الآية ما يدلّ عليه ؛ ويدلّ بأنّ فرعون قال : (إِنَّ رَسُولَكُمُ الَّذِي أُرْسِلَ إِلَيْكُمْ لَمَجْنُونٌ) [الشعراء : ٢٧].
قال موسى : (لَقَدْ عَلِمْتَ).
والمعنى : «اعلم أنّي لست بمجنون» ، ولم يثبت عن عليّ رفع التاء ؛ لأنه يروى عن رجل من مراد عن عليّ ، وذلك الرجل مجهول.
واعلم : أن هذه الآيات من عند الله ، ولا تشكّ في ذلك بسبب سفاهتك والجملة المنفيّة في محلّ نصب ؛ لأنها معلقة للعلم قبلها وتقدير الآية : ما أنزل هؤلاء «الآيات» ؛ ونظيره قوله : [الكامل]
٣٤٧٦ ـ ........... |
|
والعيش بعد أولئك الأيّام (١) |
أي : للأمام. قوله : «بصائر» حال ، وفي عاملها قولان :
أحدهما : أنه «أنزل» هذا الملفوظ به ، وصاحب الحال «هؤلاء» وإليه ذهب الحوفي ، وابن عطيّة ، وأبو البقاء (٢) ، وهؤلاء يجيزون أن يعمل ما قبل «إلّا» فيما بعدها ، وإن لم يكن مستثنى ، ولا مستثنى منه ، ولا تابعا له.
والثاني : ـ وهو مذهب الجمهور ـ : أنّ ما بعد «إلّا» لا يكون معمولا لما قبله ، فيقدر لها عامل ، تقديره : أنزلها بصائر ، وقد تقدّم نظير هذه في «هود» عند قوله (إِلَّا الَّذِينَ هُمْ أَراذِلُنا بادِيَ الرَّأْيِ) [الآية : ٢٧].
ومعنى «بصائر» أي : حججا بيّنة ؛ كأنها بصائر العقول ، والمراد : الآيات التّسع ، ثم قال موسى : (وَإِنِّي لَأَظُنُّكَ يا فِرْعَوْنُ مَثْبُوراً).
قوله : «مثبورا» مفعول ثان ، واعترض بين المفعولين بالنّداء ، والمثبور : المهلك ؛ يقال : ثبره الله ، أي : أهلكه ، قال ابن الزبعرى : [الخفيف]
٣٤٧٧ ـ إذ أجاري الشّيطان في سنن الغي |
|
ي ومن مال ميله مثبور (٣) |
والثّبور : الهلاك ؛ قال تعالى : (لا تَدْعُوا الْيَوْمَ ثُبُوراً واحِداً) [الفرقان : ١٤].
وقال ابن عباس : مثبورا ، أي : ملعونا ، وقال الفراء : مصروفا ممنوعا عن الخير ، والعرب تقول : ما ثبرك عن هذا؟ أي : ما منعك عن هذا ، وما صرفك عنه؟.
قال أبو زيد : يقال ثبرت فلانا عن الشيء ، أثبره ، أي رددتّه عنه.
فصل في جواب موسى لفرعون بكونه مثبورا
واعلم أنّ فرعون لمّا وصف موسى ـ عليهالسلام ـ بكونه مسحورا ، أجابه موسى
__________________
(١) ينظر : الرازي ٢١ / ٥٥.
(٢) ينظر : الإملاء ٢ / ٩٧.
(٣) ينظر البيت في تفسير الطبري ١٥ / ١١٧ ، البحر المحيط ٦ / ٦٧ ، الجمهرة ٢ / ٢٧٧ ، والدر المصون ٤ / ٤٢٥ ، مجاز القرآن ١ / ٣٩٢.