الثاني : أنه منصوب على إسقاط الخافض ، أي : من طين ، كما صرّح به في الآية الأخرى: (وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ).
الثالث : أنه منتصب على التمييز ، قاله الزّجّاج (١) ، وتبعه ابن عطيّة ، ولا يظهر ذلك ؛ إذ لم يتقدّم إبهام ذات ولا نسبة.
قوله تعالى : (قالَ أَرَأَيْتَكَ هذَا الَّذِي كَرَّمْتَ عَلَيَّ لَئِنْ أَخَّرْتَنِ إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ لَأَحْتَنِكَنَّ ذُرِّيَّتَهُ إِلاَّ قَلِيلاً)(٦٢)
قوله تعالى : (أَرَأَيْتَكَ) : قد تقدم مستوفى في الأنعام [الآية : ٤٠]. وقال الزمخشريّ: «الكاف للخطاب ، و«هذا» مفعول به ، والمعنى : أخبرني عن هذا الذي كرّمته عليّ ، أي : فضّلته ، لم كرّمته ، وأنا خير منه؟ فاختصر الكلام». وهذا قريب من كلام الحوفيّ ـ رحمهالله ـ.
قال ابن عطيّة : «والكاف في «أرأيتك» حرف خطاب ، لا موضع لها من الإعراب ، ومعنى «أرأيت» أتأمّلت ونحوه ، كأنّ المخاطب ينبّه المخاطب ؛ ليستجمع لما ينصّ عليه بعد. وقال سيبويه (٢) : «هي بمعنى أخبرني» ، ومثل بقوله : «أرأيتك زيدا ، أبو من هو؟» وقول سيبويه صحيح ؛ حيث يكون بعدها استفهام كمثاله ، وأمّا في الآية فهو كما قلت ، وليست التي ذكر سيبويه» قلت : وهذا الذي ذكره ليس بمسلّم ، بل الآية كمثاله ، غاية ما في الباب : أنّ المفعول الثاني محذوف ، وهو الجملة الاستفهاميّة المقدّرة ؛ لانعقاد الكلام من مبتدأ وخبر ، لو قلت : هذا الذي كرّمته عليّ ، لم كرّمته؟.
وقال الفرّاء (٣) : «الكاف في محلّ نصب ، أي : أرأيت نفسك ؛ كقولك : أتدبّرت آخر أمرك ، فإني صانع فيه كذا ، ثم ابتدأ : هذا الذي كرّمت عليّ».
وقال ابن الخطيب (٤) : يمكن أن يقال : «هذا» مبتدأ محذوف عنه حرف الاستفهام ، و«الّذي» مع صلته خبره ، تقديره : أخبرني ، أهذا الذي كرّمته عليّ ؛ وهذا على وجه الاستصغار ، والاستحقار ، وإنّما حذف حرف الاستفهام ؛ لأنّه حصل في قوله : «أرأيتك» فأغنى عن تكريره.
وقال أبو البقاء (٥) : «والمفعول الثاني محذوف ، تقديره : تفضيله أو تكريمه». قال شهاب الدين : وهذا لا يجوز ؛ لأنّ المفعول الثاني في هذا الباب لا يكون إلا جملة مشتملة على استفهام.
قال أبو حيّان : «ولو ذهب ذاهب إلى أنّ الجملة القسميّة هي المفعول الثاني ، لكان
__________________
(١) ينظر : معاني القرآن للزجاج ٣ / ٢٤٩.
(٢) ينظر : الكتاب ١ / ١٢٢.
(٣) ينظر : معاني القرآن للفراء ١ / ٣٣٣.
(٤) ينظر : الفخر الرازي ٢١ / ٤.
(٥) ينظر : الإملاء ٢ / ٩٤.