كالرّوم في المعنى ، يعني : أنه إتيان ببعض الحركة ، وقد تقدّم هذا محرّرا في يوسف عند قوله (لا تَأْمَنَّا) [يوسف : ١١] ، وفي قوله في هذه السورة (مِنْ لَدُنْهُ) في قراءة شعبة أيضا ، وتقدّم بحث يعود مثله هنا.
وقرأ (١) عيسى وأبو عمرو في رواية «عذرا» بضمتين ، وعن أبي عمرو أيضا «عذري» مضافا لياء المتكلم.
و«من لدنّي» متعلق ب «بلغت» أو بمحذوف على أنّه حال من «عذرا».
فصل في معنى الآية
قال ابن عباس : معناه : أعذرت فيما بيني وبينك (٢).
وقيل : حذّرتني أنّي لا أستطيع معك صبرا.
وقيل : اتّضح لك العذر في مفارقتي.
والمراد أنّه مدحه بهذه الطريقة من حيث إنّه احتمله مرّتين أولا وثانيا.
روى ابن عبّاس عن أبيّ بن كعب ، قال : قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «رحمة الله علينا ، وعلى موسى» وكان إذا ذكر أحدا من الأنبياء ـ عليهم الصلاة والسلام ـ بدأ بنفسه «لولا أنّه عجّل ، لرأى العجب ، ولكنّه أخذته من صاحبه ذمامة ، قال : «إن سألتك عن شيء بعدها ، فلا تصاحبني ، قد بلغت من لدنّي عذرا ؛ فلو صبر ، لرأي العجب» (٣).
قوله : (فَانْطَلَقا حَتَّى إِذا أَتَيا أَهْلَ قَرْيَةٍ اسْتَطْعَما أَهْلَها) الآية.
قال ابن عبّاس : هي أنطاكية (٤).
وقال ابن سيرين (٥) : هي [الأبلة](٦) ، وهي أبعد الأرض من السّماء وقيل : برقة.
وعن أبي هريرة (٧) : بلدة بالأندلس.
(اسْتَطْعَما أَهْلَها فَأَبَوْا أَنْ يُضَيِّفُوهُما) قال أبي بن كعب عن النبي صلىاللهعليهوسلم : حتّى إذا أتيا أهل قرية لئاما ، فطافا في المجلس فاستطعما أهلها ، فأبوا أن يضيفوهما (٨).
وروي أنّهما طافا في القرية ، فاستطعماهم ، فلم يطعموهما ، فاستضافاهم ، فلم يضيّفوهما.
__________________
(١) ينظر : القرطبي ١١ / ١٧ ، والبحر ٦ / ١٤٢ ، والدر المصون ٤ / ٤٧٥.
(٢) ذكره البغوي في «تفسيره» (٣ / ١٧٥).
(٣) تقدم.
(٤) ذكره السيوطي في «الدر المنثور» (٤ / ٤٢٩) وعزاه إلى ابن أبي حاتم من طريق قتادة عن ابن عباس.
(٥) ينظر : معالم التنزيل ٣ / ١٧٥.
(٦) في ب : الأيلة.
(٧) ينظر : معالم التنزيل ٣ / ١٧٥.
(٨) ذكره السيوطي في «الدر المنثور» (٤ / ٤٢٩) وعزاه إلى الديلمي.