الفاعل ضميرا مفسّرا بما بعده من التمييز ، فلا يصح تقديره : ساء سبيله سبيلا ؛ لأنه ليس بمضمر لاسم الجنس.
فصل
قال القفال (١) : إذا قيل للإنسان : لا تقرب هذا ، فهو آكد من أن تقول : لا تفعله ، ثم علّل هذا النّهي بكونه (فاحِشَةً وَساءَ سَبِيلاً).
واعلم أنّ الزّنا اشتمل على أنواع من المفاسد :
أولها : اختلاط الأنساب واشتباهها ، فلا يعرف الإنسان أنّ الولد الذي أتت به الزانية منه أو من غيره ، فلا يقوم بتربيته ، وذلك يوجب ضياع الأولاد ، وانقطاع النّسل ، وخراب العالم.
وثانيها : أنه إذا لم يوجد سبب شرعيّ يوجب اختصاص هذا الرجل بهذه المرأة ، لم يبق إلّا التواثب والتقاتل ، وقد وجد وقوع القتل الذّريع بسبب زنا المرأة الواحدة.
وثالثها : أنّ المرأة ، إذا زنت وتمرّنت عليه ، يستقذرها كل ذي عقل سليم ، وحينئذ : لا تحصل الألفة والمحبّة ، ولا يتم السّكن والازدواج ، وينفر طباع أكثر الخلق عن مقاربتها.
ورابعها : أنّه إذا انفتح باب الزّنا ، لا يبقى لرجل اختصاص بامرأة ، بل كل رجل يمكنه التواثب على أيّ امرأة أرادت ، وحينئذ : لايبقى بين نوع الإنسان وسائر البهائم فرق في هذا.
وخامسها : أنه ليس المقصود من المرأة مجرّد قضاء الشهوة ، بل أن تصير شريكة للرّجل في ترتيب المنزل وإعداد مهمّاته من المطعوم والمشروب والملبوس ، وحفظ البيت ، والقيام بأمور الأولاد والخدم ، وهذه المهمات لا تتم إلّا إذا كانت المرأة مقصورة الهمّة على هذا الرجل الواحد ، منقطعة الطّمع عن سائر الرّجال ، وذلك لا يحصل إلّا بتحريم الزّنا ، وسدّ هذا الباب.
وسادسها : أنّ الوطء يوجب الذلّ الشديد ، ويدلّ على ذلك وجوه :
الأول : أن أعظم أنواع الشّتم عند النّاس ذكر ألفاظ الوقاع ، ولولا أن الوطء يوجب الذلّ وإلّا لما كان الأمر كذلك.
الثاني : أنّ جميع العقلاء يستنكفون من ذكر أزواج بناتهم وأخواتهم وأمهاتهم ، ولولا أنّ الوطء ذلّ ، وإلّا لما كان كذلك.
الثالث : أن جميع العقلاء لا يقدمون على الوطء إلا خفية في الأوقات التي لا يطّلع
__________________
(١) ينظر : الفخر الرازي ٢٠ / ١٥٨.