قوله «نصيبا» هو المفعول الأول للجعل ، والجارّ قبله هو الثاني ، أي : ويصيّرون الأصنام.
[وقوله :] (مِمَّا رَزَقْناهُمْ) يجوز أن يكون نعتا ل «نصيبا» وأن يتعلق بالجعل ؛ ف «من» على الأول للتبعيض ، وعلى الثاني للابتداء.
فصل
في المراد بالنصيب احتمالات :
أحدها : أنهم جعلوا لله نصيبا من الحرث ، والأنعام ؛ يتقرّبون به إلى الله ، ونصيبا للأصنام ؛ يتقربون به إليها ، كما تقدم في آخر سورة الأنعام.
والثاني : قال الحسن ـ رحمهالله ـ : المراد بهذا النصيب : البحيرة ، والسّائبة ، والوصيلة ، والحام (١).
والثالث : ربما اعتقدوا في بعض الأشياء ، أنّه لما حصل بإعانة بعض تلك الأصنام ، كما أنّ المنجمين يوزّعون موجودات هذا العالم على الكواكب السبعة ، فيقولون : لرجل كذا وكذا من المعادن ، والنبات ، والحيوان ، وللمشتري أشياء أخرى.
ثمّ لمّا حكى عن المشركين هذا المذهب ، قال : (تَاللهِ لَتُسْئَلُنَ) وهذا في هؤلاء الأقوام خاصة بمنزلة قوله : (فَوَ رَبِّكَ لَنَسْئَلَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ عَمَّا كانُوا يَعْمَلُونَ) [الحجر : ٩٢ ، ٩٣] ، فأقسم الله سبحانه وتعالى ـ جل ذكره ـ على نفسه أنّه يسألهم ، وهذا تهديد شديد ؛ لأن المراد من هذا أنه يسألهم سؤال توبيخ ، وتهديد ، وفي وقت هذا السؤال احتمالان :
الأول : أنه يقع هذا السؤال عند قرب الموت ، ومعاينة ملائكة العذاب ، وقيل : عند عذاب القبر ، وقيل : في الآخرة.
الثاني : أنه يقع ذلك في الآخرة ، وهذا أولى ؛ لأنه ـ تعالى ـ قد أخبر بما يجري هناك من ضروب التوبيخ عند المسألة ، فهو إلى الوعيد أولى.
النوع الثاني من كلماتهم الفاسدة : قوله : (وَيَجْعَلُونَ لِلَّهِ الْبَناتِ) ونظيره قوله : (وَجَعَلُوا الْمَلائِكَةَ الَّذِينَ هُمْ عِبادُ الرَّحْمنِ إِناثاً) [الزخرف : ١٩] كانت خزاعة ، وكنانة تقول : الملائكة بنات الله.
قال ابن الخطيب (٢) : «أظنّ أنّ العرب إنّما أطلقوا لفظ البنات على الملائكة ؛ لأن الملائكة ـ عليهم الصلاة والسلام ـ لما كانوا مستترين عن العيون ، أشبهوا النساء في الاستتار ، فأطلقوا عليهم البنات».
وهذا الذي ظنّه ليس بشيء ، فإن الجنّ أيضا مستترون عن العيون ، ولم يطلقوا عليها لفظ البنات.
__________________
(١) ذكره الرازي في «تفسيره» (٢٠ / ٤٤).
(٢) ينظر : الفخر الرازي ٢٠ / ٤٤.