واعلم أنّ البيوت الّتي يسكن فيها الإنسان على قسمين :
أحدهما : البيوت المتّخذة من الحجر والمدر ، وهي المرادة من قوله : (جَعَلَ لَكُمْ مِنْ بُيُوتِكُمْ سَكَناً) وهذا القسم لا يمكن نقله بل الإنسان ينتقل إليه.
والثاني : البيوت المتّخذة من القباب والخيام والفساطيط ، وهي المرادة بقوله : (وَجَعَلَ لَكُمْ مِنْ جُلُودِ الْأَنْعامِ بُيُوتاً تَسْتَخِفُّونَها) وهذا القسم يمكن نقله مع الإنسان.
قوله : (يَوْمَ ظَعْنِكُمْ) قرأ نافع ، وابن (١) كثير ، وأبو عمرو بفتح العين ، والباقون بإسكانها ، وهما لغتان كالنّهر والنّهر.
وزعم بعضهم أن الأصل الفتح ، والسكون تخفيف لأجل حرف الحلق ؛ كالشّعر والشعر».
والظّعن مصدر ظعن ، أي : ارتحل ، والظّعينة : الهودج فيه المرأة وإلا فهو محمل ، ثم كثر حتى قيل للمرأة : ظعينة.
فصل
والمعنى : جعل لكم من جلود الأنعام بيوتا ، يعني : الخيام ، والقباب والأخبية ، والفساطيط من الأنطاع والأدم ، «تستخفّونها» أي : يخف عليكم حملها (يَوْمَ ظَعْنِكُمْ) رحلتكم في سفركم ، والظّعن : سير [البادية](٢) لنجعة أو لحضور ماء أو طلب مرتع ، والظّعن أيضا : الهودج ؛ قال : [الهزج]
٣٣٥٣ ـ ألا هل هاجك الأظعان إذ بانوا |
|
وإذ جادت بوشك البين غربان (٣) |
(وَيَوْمَ إِقامَتِكُمْ) في بلدكم لا يثقل عليكم في الحالتين ، و«من» راجعة إلى الحالتين (وَمِنْ أَصْوافِها وَأَوْبارِها وَأَشْعارِها) يعني : أصواف الضّأن ، وأوبار الإبل ، وأشعار المعز ، والكنايات راجعة إلى الأنعام ، وذكر الأصواف والأوبار ولم يذكر القطن والكتان ؛ لأنهما لم يكونا ببلاد العرب.
قوله : «أثاثا» فيه وجهان :
أحدهما : أنه منصوب عطفا على «بيوتا» أي : وجعل لكم من أصوافها أثاثا ، وعلى هذا يكون قد عطف مجرورا على مجرور ، ومنصوبا على منصوب ، ولا فصل هنا بين حرف العطف والمعطوف حينئذ.
وقال أبو البقاء (٤) ـ رحمهالله ـ : «وقد فصل بينه وبين حرف العطف بالجار
__________________
(١) ينظر : السبعة ٣٧٥ ، والنشر ٢ / ٣٠٤ ، والإتحاف ٢ / ١٨٧ ، والحجة ٣٩٣ والبحر ٥ / ٥٠٧ والدر المصون ٤ / ٣٥١.
(٢) في ب : الدابة.
(٣) ينظر : القرطبي ١٠ / ١٠١.
(٤) ينظر : الإملاء ٢ / ٨٤.