وجوّز الزمخشري أن يعود الضمير على قريش ، فيكون حكاية حال في الحال لا ماضية ، ولا آتية ، والمعنى : أنّ الشّيطان يتولى إغواءهم ، وصرفهم عنك كما فعل بكفّار الأمم قبلك ، فعلى هذا رجع عن الإخبار عن الأمم الماضية إلى الإخبار عن كفّار مكّة ، وسمّاه وليا لهم ؛ لطاعتهم له ، ولهم عذاب أليم في الآخرة.
وجوّز الزمخشري أيضا أن يكون عائدا على «أمم» ، ولكن على حذف مضاف تقديره : فهو ولي أمثالهم اليوم.
واستبعده أبو حيان ، وكأن الذي حمله على ذلك قوله : «اليوم» فإنه ظرف خال ، وقد تقدّم أنه على حكاية الحال الماضية ، أو الآتية.
ثمّ ذكر ـ تعالى ـ أنه مع هذا الوعيد الشّديد ، قد أقام الحجّة ، وأزاح العلّة فقال تعالى : (وَما أَنْزَلْنا عَلَيْكَ الْكِتابَ إِلَّا لِتُبَيِّنَ لَهُمُ الَّذِي اخْتَلَفُوا فِيهِ) ، أي وما أنزلنا عليك القرآن إلا لتبين بواسطة بيانات القرآن الأشياء التي اختلفوا فيها يعني أهل الملل ، والنحل ، والأهواء ، مثل التوحيد ، والشرك ، والجبر ، والقدر ، وإثبات المعاد ونفيه ، ومثل : تحريمهم الحلال كالبحيرة والسائبة وغيرهما ، وتحليلهم أشياء محرمة كالميتة.
فصل
قالت المعتزلة : واللام في «لتبيّن» تدلّ على أنّ أفعال الله معللة بالأغراض ، كقوله تعالى: (كِتابٌ أَنْزَلْناهُ إِلَيْكَ لِتُخْرِجَ النَّاسَ) [إبراهيم : ١] وقوله عزوجل (وَما خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ) [الذاريات : ٥٦].
والجواب : أنه لما ثبت بالعقل امتناع التعليل ، وجب صرفه إلى التّأويل.
قوله : (وَهُدىً وَرَحْمَةً) فيه وجهان :
أحدهما : أنهما انتصبا على أنهما مفعولان من أجلهما ؛ والناصب : و (أَنْزَلْنا) إليك ولما اتحد الفاعل في العلّة ، والمعلول ؛ وصل الفعل إليهما بنفسه ، ولما لم يتّحد في قوله : (وَما أَنْزَلْنا عَلَيْكَ الْكِتابَ إِلَّا لِتُبَيِّنَ) ، أي : لأن تبين على أنّ هذه اللّام لا تلزم من جهة أخرى ، وهي كون مجرورها «أن» ، وفيه خلاف في خصوصية هذه المسألة ، وهذا معنى قول الزمخشري فإنه قال : «معطوفان على محل «لتبيّن» إلا أنهما انتصبا على أنهما مفعول بهما ؛ لأنّهما فعلا الذي أنزل الكتاب ، ودخلت اللام على : «لتبيّن» ؛ لأنه فعل المخاطب لا فعل المنزل ، وإنما ينتصب مفعولا له ما كان فعلا لذلك الفعل المعلل».
قال أبو حيّان (١) ـ رحمهالله ـ : «قوله : معطوفان على محل «لتبيّن» ليس بصحيح ؛ لأنّ محلّه ليس نصبا ، فيعطف منصوب ، ألا ترى أنّه لو نصبه لم يجز لاختلاف الفاعل».
__________________
(١) ينظر : البحر المحيط ٤ / ٤٩١.
اللّباب / ج ١٢ / م ٧