قال الواحدي : «ظلاله» أضاف الظلال إلى مفرد ، ومعناه الإضافة إلى ذوي الظلال ، وإنما حسن هذا ؛ لأنّ الذي يرجع إليه الضمير ، وإن كان واحدا في اللفظ ، وهو قوله تعالى (إِلى ما خَلَقَ اللهُ) إلّا أنه كثير في المعنى ؛ كقوله تعالى (لِتَسْتَوُوا عَلى ظُهُورِهِ) [الزخرف : ١٣] فأضاف الظّهور ، وهو جمع إلى ضمير مفرد ؛ لأنه يعود إلى واحد أريد به الكثرة في المعنى ، وهو قوله تعالى : (ما تَرْكَبُونَ) انتهى.
قوله تعالى : (عَنِ الْيَمِينِ) فيه ثلاثة أوجه :
أحدها : أن يتعلق ب «يتفيّؤ» ومعناها المجاوزة أي : يتجاوز الظلال عن اليمين إلى الشمائل.
الثاني : أنها متعلقة بمحذوف على أنها حال من «ظلاله».
الثالث : أنها اسم بمعنى جانب ، فعلى هذا ينتصب «إلى» على الظرف.
وقوله : (عَنِ الْيَمِينِ وَالشَّمائِلِ) فيه سؤالان :
أحدهما : ما المراد باليمين والشمائل؟.
والثاني : كيف أفرد الأول ، وجمع الثاني؟.
وأجيب عن الأول بأجوبة :
أحدها : أنّ اليمين يمين الفلك ؛ وهو المشرق ، والشمائل شماله ، وهو المغرب ، وخصّ هذان الجانبان ؛ لأنّ أقوى الإنسان جانباه ؛ وهما يمينه وشماله ، وجعل المشرق يمينا ؛ لأن منه تظهر حركة الفلك اليومية.
الثاني : البلدة التي عرضها أقلّ من الميل تكون الشمس صيفا عن يمين البلد فيقع الظل عن يمينهم.
الثالث : أن المنصوب للعبرة كلّ جرم له ظلّ ، كالجبل ، والشجر ، والذي يترتب فيه الأيمان ، والشمائل ، إنما هو البشر فقط ، ولكن ذكر الأيمان ، والشمائل ، هنا على سبيل الاستعارة.
الرابع : قال الزمخشريّ (١) : (أَوَلَمْ يَرَوْا إِلى ما خَلَقَ اللهُ) من الأجرام التي لها ظلال متفيئة عن أيمانها ، وشمائلها عن جانبي كل واحد منها وشقّيه استعارة من يمين الإنسان ، وشماله لجانبي الشيء ، أي : يرجع من جانب إلى جانب.
وهذا قريب ممّا قبله ، وأجيب عن الثاني بأجوبة :
أحدها : أن الابتداء يقع من اليمين ، وهو شيء واحد ؛ فلذلك وحد اليمين ، ثم ينتقص شيئا فشيئا وحالا بعد حال ، فهو بمعنى الجمع ، فصدق على كل حال لفظة الشمائل ؛ فتعدّد بتعدّد الحالات ، وإلى قريب منه نحا أبو البقاء ـ رحمهالله ـ.
__________________
(١) ينظر : الكشاف ٢ / ٦٠٩.