فأما علم الأصول : فهو بتمامه موجود في القرآن.
وأما علم الفروع : فالأصل براءة الذّمّة ، إلا ما ورد على سبيل التفصيل في هذا الكتاب ، وذلك يدلّ على أنه لا تكليف من الله إلّا ما ورد في هذا القرآن ، وإذا كان كذلك ، كان القول بالقياس باطلا ، وكان القرآن وافيا بتبيان كل الأحكام.
قال الفقهاء : إنّما كان القرآن (تِبْياناً لِكُلِّ شَيْءٍ) ، لأنه دلّ على أنّ الإجماع حجّة ، وخبر الواحد ، والقياس حجة ، فإذا ثبت حكم من الأحكام بأحد هذه الأصول ، كان ذلك الحكم ثابتا بالقرآن ، وقد تقدمت هذه المسألة في سورة الأعراف.
قال المفسرون : (تِبْياناً لِكُلِّ شَيْءٍ) يحتاج إليه من الأمر ، والنهي ، والحلال ، والحرام ، والحدود ، والأحكام ، (وَهُدىً) من الضّلالة ، «ورحمة» و«بشرى» وبشارة «للمسلمين» ، قوله : «للمسلمين» متعلق ب «بشرى» ، وهو متعلق من حيث المعنى ب (هُدىً وَرَحْمَةً) أيضا.
وفي جواز كون هذا من التنازع ، نظر ، من حيث لزوم الفصل بين المصدر ، ومعموله بالظرف ، حال إعمالك غير الثالث ؛ فتأمّله.
وقياس من جوّز [التنازع] في فعل التعجب ، والتزام إعمال الثاني ؛ لئلّا يلزم الفصل أن يجوز هذا على هذه الحالة.
قوله تعالى : (إِنَّ اللهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسانِ وَإِيتاءِ ذِي الْقُرْبى وَيَنْهى عَنِ الْفَحْشاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ (٩٠) وَأَوْفُوا بِعَهْدِ اللهِ إِذا عاهَدْتُمْ وَلا تَنْقُضُوا الْأَيْمانَ بَعْدَ تَوْكِيدِها وَقَدْ جَعَلْتُمُ اللهَ عَلَيْكُمْ كَفِيلاً إِنَّ اللهَ يَعْلَمُ ما تَفْعَلُونَ (٩١) وَلا تَكُونُوا كَالَّتِي نَقَضَتْ غَزْلَها مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ أَنْكاثاً تَتَّخِذُونَ أَيْمانَكُمْ دَخَلاً بَيْنَكُمْ أَنْ تَكُونَ أُمَّةٌ هِيَ أَرْبى مِنْ أُمَّةٍ إِنَّما يَبْلُوكُمُ اللهُ بِهِ وَلَيُبَيِّنَنَّ لَكُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ ما كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ (٩٢) وَلَوْ شاءَ اللهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً واحِدَةً وَلكِنْ يُضِلُّ مَنْ يَشاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشاءُ وَلَتُسْئَلُنَّ عَمَّا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (٩٣) وَلا تَتَّخِذُوا أَيْمانَكُمْ دَخَلاً بَيْنَكُمْ فَتَزِلَّ قَدَمٌ بَعْدَ ثُبُوتِها وَتَذُوقُوا السُّوءَ بِما صَدَدْتُمْ عَنْ سَبِيلِ اللهِ وَلَكُمْ عَذابٌ عَظِيمٌ (٩٤) وَلا تَشْتَرُوا بِعَهْدِ اللهِ ثَمَناً قَلِيلاً إِنَّما عِنْدَ اللهِ هُوَ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (٩٥) ما عِنْدَكُمْ يَنْفَدُ وَما عِنْدَ اللهِ باقٍ وَلَنَجْزِيَنَّ الَّذِينَ صَبَرُوا أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ ما كانُوا يَعْمَلُونَ (٩٦) مَنْ عَمِلَ صالِحاً مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَياةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ ما كانُوا يَعْمَلُونَ)(٩٧)
قوله تعالى : (إِنَّ اللهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسانِ) الآية لما شرح الوعد ، والوعيد ، والتّرغيب ، والتّرهيب ، أتبعه بقوله : (إِنَّ اللهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسانِ) فجمع في هذه الآية ما