ثانية ل «أجرا». قال أبو البقاء (١) : وقيل : هو صفة ل «أجرا» ، والعائد الهاء في «فيه». ولم يتعرّض لبروز الضمير ولا لعدمه بالنسبة إلى المذهبين.
و«أبدا» منصوب على الظرف ب «ماكثين».
فصل
اعلم أنّ المقصود من إرسال الرسل إنذار المذنبين وبشارة المطيعين ، ولمّا كان دفع الضرّ أهمّ عند ذوي العقول من إيصال النّفع ، لا جرم قدّم الإنذار في اللفظ.
قال الزمخشريّ (٢) : قرىء «ويبشّر» بالتخفيف والتّثقيل و (ماكِثِينَ فِيهِ أَبَداً) بمعنى خالدين.
فصل
قال القاضي (٣) : دلت الآية على صحّة قوله في مسائل :
أحدها : أنّ القرآن مخلوق وبيانه من وجوه :
الأول : أنه تعالى وصفه بالإنزال والنزول ، وذلك من صفات المحدثات ؛ فإنّ القديم لا يجوز عليه التغيير.
والثاني : أنّه وصفه بكونه كتابا ، والكتب هو الجمع ، وسمّي كتابا لكونه مجموعا من الحروف والكلمات ، وما صحّ فيه [من](٤) التركيب والتأليف فهو محدث.
الثالث : أنّه تعالى أثبت الحمد لنفسه ، على إنزال الكتاب ، والحمد إنّما يستحقّ على النعمة ، والنعمة محدثة [مخلوقة](٥).
الرابع : أنّه وصفه بأنه غير معوجّ وبأنّه مستقيم ، والقديم لا يمكن وصفه بذلك ، فثبت أنّه محدث مخلوق.
وثانيها : خلق الأعمال ؛ فإنّ هذه الآية تدلّ على قولنا في هذه المسألة من وجوه :
الأول : نفس الأمر بالحمد ؛ لأنّه لو لم يكن للعبد فعل لم ينتفع بالكتاب ؛ إذ الانتفاع به إنما يحصل إذا قدر أن يفعل ما دلّ الكتاب على أنه يجب فعله ، ويترك ما دلّ الكتاب على أنه يجب تركه ، وهذا إنّما كان يعقل لو كان مستقلا بنفسه.
أمّا إذا لم يكن مستقلا بنفسه لم يكن لعوج الكتاب أثر في اعوجاج فعله ، ولم يكن لكون الكتاب «قيّما» أمر في استقامة فعله كان العبد قادرا على الفعل مختارا فيه.
والثاني : أنّه تعالى لو أنزل بعض الكتاب ليكون سببا لكفر البعض ، وأنزل الباقي
__________________
(١) ينظر : الإملاء ٢ / ٩٨.
(٢) ينظر : الكشاف ٢ / ٧٠٣.
(٣) ينظر : الفخر الرازي ٢١ / ٦٥.
(٤) زيادة من ب.
(٥) سقط من أ.