وهذه الآية تدلّ على أنّ العمل علّة الجزاء.
قوله : (وَقالُوا أَإِذا كُنَّا عِظاماً وَرُفاتاً أَإِنَّا لَمَبْعُوثُونَ خَلْقاً جَدِيداً).
لمّا أجاب عن شبهات منكري النبوة ، عاد إلى حكاية شبهة منكري المعاد.
وتلك الشبهة : هي أنّ الإنسان بعد أن يصير رفاتا ، ورميما ، يبعد أن يعود هو بعينه ، فأجاب الله عنه : بأنّ من قدر على خلق السموات والأرض في عظمتها وشدّتها قادر على أن يخلق مثلهم في صغرهم ، وضعفهم ؛ نظيره قوله تعالى : (لَخَلْقُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ أَكْبَرُ مِنْ خَلْقِ النَّاسِ) [غافر : ٥٧].
وفي قوله : (قادِرٌ عَلى أَنْ يَخْلُقَ مِثْلَهُمْ) قولان :
الأول : [معناه] قادر على أن يخلقهم ثانيا ، فعبّر عن خلقهم بلفظ «المثل» ؛ كقول المتكلّمين : إنّ الإعادة مثل الابتداء.
والثاني : قادر على أن يخلق عبيدا آخرين يوحّدونه ، ويقرّون بكمال حكمته وقدرته ، ويتركون هذه الشبهات الفاسدة ؛ وعلى هذا ، فهو كقوله تعالى : (وَيَأْتِ بِخَلْقٍ جَدِيدٍ) [إبراهيم : ١٩] وقوله : (وَيَسْتَبْدِلْ قَوْماً غَيْرَكُمْ) [التوبة : ٣٩].
قال الواحديّ (١) : والأول أشبه بما قبله.
ولمّا بيّن الله تعالى بالدّليل المذكور : أنّ البعث يمكن الوجود في نفسه ، أردفه بأنّ لوقوعه ودخوله في الوجود وقتا معلوما عند الله تعالى ؛ وهو قوله : (وَجَعَلَ لَهُمْ أَجَلاً لا رَيْبَ فِيهِ) أي : جعل لهم وقتا لا ريب فيه ، (فَأَبَى الظَّالِمُونَ إِلَّا كُفُوراً) أي بعد هذه الدلائل الظاهرة : (فَأَبَى الظَّالِمُونَ إِلَّا كُفُوراً) أي : الظالمون إلا الكفر والجحود.
قوله : (وَجَعَلَ لَهُمْ) : معطوف على قوله (أَوَلَمْ يَرَوْا) ؛ لأنّه في قوة : قد رأوا ، فليس داخلا في حيّز الإنكار ، بل معطوفا على جملته برأسها.
وقوله : (لا رَيْبَ فِيهِ) صفة ل «أجلا» ، أي : أجلا غير مرتاب فيه ، فإن أريد به يوم القيامة ، فالإفراد واضح ، وإن أريد به الموت ، فهو اسم جنس ؛ إذ لكلّ إنسان أجل يخصه.
وقوله (إِلَّا كُفُوراً) قد تقدّم.
قوله تعالى : (قُلْ لَوْ أَنْتُمْ تَمْلِكُونَ خَزائِنَ رَحْمَةِ رَبِّي إِذاً لَأَمْسَكْتُمْ خَشْيَةَ الْإِنْفاقِ وَكانَ الْإِنْسانُ قَتُوراً)(١٠٠)
اعلم أنّ الكفار ، لما قالوا : لن نؤمن لك ؛ حتّى تفجر لنا من الأرض ينبوعا وطلبوا إجراء الأنهار ، والعيون في بلدهم لتكثر أموالهم ؛ بيّن أنّهم لو ملكوا خزائن رحمة الله ،
__________________
(١) ينظر : الفخر الرازي ٢١ / ٥٢.